الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          2299 - (بخ م مد س فق) : سعيد بن العاص بن أبي أحيحة ; سعيد بن العاص بن أمية القرشي ، الأموي ، أبو عثمان ، ويقال : [ ص: 502 ] أبو عبد الرحمن ، المدني ، والد عمرو بن سعيد بن العاص ، ويحيى بن سعيد بن العاص ، هو سعيد بن العاص الأصغر ، وأمه أم كلثوم بنت عمرو بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، وأمها أم حبيب بنت العاص بن أمية ، قتل أبوه يوم بدر مشركا ، ومات جده أبو أحيحة سعيد بن العاص الأكبر قبل بدر مشركا ، ولجده أبي أحيحة ذكر في فتح خيبر .

                                                                          قال محمد بن سعد : قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن تسع سنين .

                                                                          [ ص: 503 ] وقال سعيد بن عبد العزيز : إن عربية القرآن أقيمت على لسانه ; لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                          وقال أبو عمر بن عبد البر : كان من أشراف قريش ، جمع السخاء والفصاحة ، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان بن عفان ، استعمله عثمان على الكوفة ، وغزا طبرستان فافتتحها . ويقال : إنه افتتح جرجان أيضا في خلافة عثمان ، وكان أيدا ، يقال : إنه ضرب رجلا بجرجان على حبل العاتق ، فأخرج السيف من مرفقه .

                                                                          وكان يقال له : عكة العسل .

                                                                          روى عن : النبي - صلى الله عليه وسلم - (مد) مرسلا ، وعن عثمان بن عفان (بخ م فق) ، وعمر بن الخطاب (س) ، وعائشة أم المؤمنين (بخ م) .

                                                                          روى عنه : ابن حفيده أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص (مد) ولم يدركه ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وعروة بن الزبير ، وعمار بن أبي عمار مولى بني هاشم ، وابنه عمرو بن سعيد بن العاص (س) ، وكثير بن الصلت ، ومولاه كعب (فق) ، وابنه يحيى بن سعيد بن العاص (بخ م) .

                                                                          وكانت له بدمشق دار تعرف بعده بدار نعيم ، وحمام نعيم بنواحي الديماس ، ثم رجع إلى المدينة ومات بها .

                                                                          وقال الزبير بن بكار : استعمله عثمان بن عفان على الكوفة ، وغزا [ ص: 504 ] بالناس طبرستان ، واستعمله معاوية على المدينة ، وكان يعقب بينه وبين مروان بن الحكم في عمل المدينة ، وله يقول الفرزدق :


                                                                          ترى الغر الجحاجح من قريش إذا ما الأمر في الحدثان عالا     قياما ينظرون إلى سعيد
                                                                          كأنهم يرون به هلالا

                                                                          قال : وحدثني رجل عن عبد العزيز بن أبان ، قال : حدثني خالد بن سعيد ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، قال : جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببرد ، فقالت : إني نويت أن أعطي هذا البرد أكرم العرب . فقال : " أعطيه هذا الغلام " ، يعني سعيد بن العاص ، وهو واقف ، فبذلك سميت الثياب السعيدية .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري ، قال : أخبرنا أبو حفص بن طبرزد ، قال : أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون ، قال : أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة ، قال : أخبرنا أبو طاهر المخلص ، قال : حدثنا أحمد بن سليمان الطوسي ، قال : حدثنا الزبير بن بكار ، فذكره .

                                                                          وقال أبو بكر بن أبي خيثمة ، عن سليمان بن أبي شيخ ، عن يحيى بن سعيد الأموي : قدم محمد بن عقيل بن أبي طالب على أبيه وهو بمكة ، فقال : ما أقدمك يا بني ؟ قال : قدمت لأن قريشا تفاخرني ، فأردت أن أعلم أشرف الناس ، قال : أنا وابن أمي ، ثم حسبك بسعيد بن العاص .

                                                                          [ ص: 505 ] وقال أبو مسهر ، عن سعيد بن عبد العزيز ، قال معاوية : لكل قوم كريم ، وكريمنا سعيد بن العاص .

                                                                          وقال عبد الله بن المبارك ، عن جرير بن حازم ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر ، عن معاوية ، لما سأله : من ترى لهذا الأمر بعدك ، يعني : الخلافة ؟ قال : أما كريمة قريش فسعيد بن العاص .

                                                                          وقال محمد بن الحسن الأسدي ، عن جرير بن حازم ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر : بعثني زياد إلى معاوية في حوائج ، فلما فرغت منها قلت له : يا أمير المؤمنين ، كل ما جئت له فقد فرغت منه ، وبقيت لي حاجة أصدرها في مصادرها . قال : وما هي ؟ قلت : من لهذه الأمة بعدك ؟ فقال : وما أنت من ذاك ؟ فقلت : ولم يا أمير المؤمنين ؟ فوالله ، إني لقريب القرابة ، عظيم الشرف ، ناصح الجيب ، واد الصدر . فسكت ساعة ثم قال : بين أربعة من بني عبد مناف : كريمة قريش سعيد بن العاص ، وفتى قريش حياء ودهاء وسخاء عبد الله بن عامر ، وأما الحسن بن علي فرجل سيد كريم ، وأما القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله ، الشديد في حدود الله فمروان بن الحكم ، وأما رجل نفسه فعبد الله بن عمر ، وأما رجل يرد الشريعة مع دواهي السباع ، ويروغ روغان الثعلب ، فعبد الله بن الزبير .

                                                                          وقال عباس بن محمد الدوري ، عن يحيى بن معين : سأل أعرابي سعيد بن العاص فقال : يا غلام ، أعطه خمس مائة .

                                                                          فقال الأعرابي : خمس مائة ماذا ؟ قال : خمس مائة دينار . قال : فأعطاه ، فجعل [ ص: 506 ] الأعرابي يقلب الدنانير بيده ويبكي ، فقال سعيد : ما يبكيك يا أعرابي ؟ قال : أبكي والله أن تكون الأرض تبلي مثلك .

                                                                          وقال سليمان بن أبي شيخ ، عن أبي سفيان الحميري ، عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري : قدم أعرابي المدينة ، يطلب في أربع ديات حملها ، فقيل له : عليك بحسن بن علي ، عليك بعبد الله بن جعفر ، عليك بسعيد بن العاص ، عليك بعبيد الله بن العباس . فدخل المسجد فرأى رجلا يخرج ومعه جماعة ، فقال : من هذا ؟ فقيل : سعيد بن العاص . قال : هذا أحد أصحابي الذين ذكروا لي . فمشى معه ، فأخبره بالذي قدم له ، ومن ذكر له ، وأنه أحدهم ، وهو ساكت لا يجيبه ، فلما بلغ منزله قال لخازنه : قل لهذا الأعرابي فليأت بمن يحمل له . فقيل له : ائت بمن يحمل لك . قال : عافى الله سعيدا ، إنما سألناه ورقا لم نسأله تمرا . قال : ويحك ، ائت بمن يحمل لك . فأخرج إليه أربعين ألفا ، فاحتملها الأعرابي ، فمضى إلى البادية ولم يلق غيره .

                                                                          وقال حفص بن عمر السياري ، عن الأصمعي ، عن أبيه : كان سعيد بن العاص يدعو إخوانه وجيرانه في كل جمعة ، فيصنع لهم الطعام ويخلع عليهم الثياب الفاخرة ، ويأمر لهم بالجوائز الواسعة ، ويبعث إلى عيالاتهم بالبر الكثير ، وكان يوجه مولى له في كل ليلة جمعة ، فيدخل المسجد ومعه صرر فيها دنانير ، فيضعها بين يدي المصلين ، وكان قد كثر المصلون في كل ليلة جمعة في مسجد الكوفة .

                                                                          وقال أبو بكر بن أبي خيثمة ، عن أبيه ، عن سفيان بن عيينة : كان [ ص: 507 ] سعيد بن العاص إذا سأله سائل فلم يكن عنده شيء قال : اكتب علي بمسألتك سجلا إلى يوم ميسرتي .

                                                                          وقال الكديمي ، عن الأصمعي ، عن شبيب بن شيبة : لما حضرت سعيد بن العاص الوفاة قال لبنيه : أيكم يقبل وصيتي ؟ قال ابنه الأكبر : أنا يا أبة . قال : فإن فيها قضاء ديني . قال : وما دينك يا أبة ؟ قال : ثمانون ألف دينار . قال : وفيم أخذتها يا أبة ؟ قال : يا بني في كريم سددت منه خلة ، وفي رجل أتاني في حاجة ودمه ينزو في وجهه من الحياء ، فبدأته بها قبل أن يسألني .

                                                                          وقال شعيب بن صفوان ، عن عبد الملك بن عمير : قال سعيد بن العاص لابنه : يا بني ، أخزى الله المعروف إذا لم يكن ابتداء من غير مسألة ، فأما إذا أتاك تكاد ترى دمه في وجهه ، ومخاطرا لا يدري أتعطيه أم تمنعه ، فوالله ، لو خرجت له من جميع مالك ما كافأته .

                                                                          وقال العباس بن هشام ابن الكلبي عن أبيه : قال سعيد بن العاص : ما شاتمت رجلا منذ كنت رجلا ولا زاحمت ركبتي ركبته ، وإذا أنا لم أصل زائري حتى يرشح جبينه كما يرشح السقاء ، فوالله ما وصلته .

                                                                          وقال مبارك بن سعيد الثوري ، عن عبد الملك بن عمير : قال سعيد بن العاص : إن الكريم ليرعى من المعرفة ما يرعى الواصل من القرابة .

                                                                          وقال مبارك أيضا عن عبد الملك : قال سعيد بن العاص : لجليسي علي ثلاث خصال : إذا دنا رحبت به ، وإذا جلس أوسعت له ، وإذا حدث أقبلت عليه .

                                                                          [ ص: 508 ] وقال عبد العزيز بن أبي رزمة ، عن عبد الله بن المبارك ، قال سعيد بن العاص لابنه : يا بني ، لا تمازح الشريف فيحقد عليك ، ولا تمازح الدنيء فيجترئ عليك .

                                                                          وقال أبو بكر بن دريد ، عن أبي حاتم ، عن العتبي : قال معاوية لسعيد بن العاص : كم ولدك ؟ قال : عشرة ، والذكران فيهم أكثر ، فقال معاوية : ويهب لمن يشاء الذكور فقال سعيد : تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء .

                                                                          وقال أحمد بن علي المقرئ ، عن الأصمعي : خطب سعيد بن العاص فقال في خطبته : من رزقه الله رزقا حسنا فليكن أسعد الناس به ، إنما يتركه لأحد رجلين : إما مصلح فلا يقل عليه شيء ، وإما مفسد فلا يبقى له شيء . فقال معاوية : جمع أبو عثمان طرف الكلام ،

                                                                          وقال محمد بن عبد العزيز الدينوري ، عن محمد بن سلام الجمحي قال سعيد بن العاص : لا أعتذر من العي في حالين : إذا خاطبت سفيها ، أو طلبت حاجة لنفسي .

                                                                          وقال الزبير بن بكار ، عن محمد بن سلام ، عن عبد الله بن مصعب ، عن عمر بن مصعب بن الزبير : كان يقال لسعيد بن العاص : عكة العسل ، وكان غير طويل . قال الزبير : وأنشدني محمد بن سلام للحطيئة في سعيد بن العاص :


                                                                          سعيد فلا يغررك خفة لحمه     تخدد عنه اللحم وهو صنيع

                                                                          [ ص: 509 ] قال الزبير : فولد سعيد بن العاص محمدا وعثمان الأكبر ، وعمرا يقال له الأشدق ، ورجالا درجوا ، وأمهم أم البنين بنت الحكم ، أخت مروان بن الحكم لأبيه وأمه ، ومات سعيد بن العاص في قصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة ودفن بالبقيع ، وأوصى إلى ابنه عمرو ، وأمره أن يدفنه بالبقيع .

                                                                          وقال سليمان بن أبي شيخ ، عن محمد بن الحكم ، عن عوانة : لما توفي سعيد بن العاص قيل لمعاوية : توفي سعيد بن العاص . فقال معاوية : ما مات رجل ترك عمرا . وقيل له : توفي ابن عامر فقال : لم يدع خلفا ابن عامر . وكان سعيد وابن عامر ماتا في عام واحد في سنة ثمان وخمسين ، كانت بينهما جمعة ، ومات سعيد قبل ابن عامر .

                                                                          وقال البخاري : قال مسدد : مات سعيد بن العاص ، وأبو هريرة ، وعائشة ، وعبد الله بن عامر سنة سبع أو ثمان وخمسين .

                                                                          قال : وقال غيره : مات سعيد سنة تسع وخمسين .

                                                                          وقال الهيثم بن عدي : مات سعيد سنة سبع وخمسين .

                                                                          وقال أبو معشر المدني : مات سنة ثمان وخمسين .

                                                                          وقال خليفة بن خياط : مات سنة تسع وخمسين .

                                                                          روى له البخاري في " الأدب " ومسلم ، وأبو داود في " المراسيل " ، والنسائي وابن ماجه في " التفسير " .

                                                                          [ ص: 510 ] وروى الترمذي عن نصر بن علي ، عن عامر بن أبي عامر الخزاز ، عن أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن ، وقال : غريب لا نعرفه إلا من حديث عامر ، وهذا عندي مرسل .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية