الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          [ ص: 358 ] 2245 - (ع) : سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي ، مولاهم ، أبو محمد ، ويقال : أبو عبد الله الكوفي . ووالبة هو ابن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة ، فيما قاله له محمد بن حبيب .

                                                                          روى عن : أنس بن مالك (د س) ، والضحاك بن قيس الفهري ، [ ص: 359 ] وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عباس (ع) ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب (ع) ، وعبد الله بن مغفل (م ق) ، وعدي بن حاتم (ت س) ، وعمرو بن ميمون الأودي (خ) ، وأبي سعيد الخدري (ت) ، وأبي عبد الرحمن السلمي (خ م س) ، وأبي مسعود الأنصاري ، وأبي موسى الأشعري (س) ، وأبي هريرة ، وعائشة .

                                                                          روى عنه : آدم بن سليمان والد يحيى بن آدم (م ت س) ، وأسلم المنقري (ل) ، وأشعث بن أبي الشعثاء (س) ، وأيفع (س) ، وأيوب السختياني (ع) ، وبكير بن شهاب (ت س) ، وثابت بن عجلان (خ س) ، وأبو المقدام ثابت بن هرمز الحداد (فق) ، وجعفر بن أبي المغيرة (بخ د ت س فق) ، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية (ع) وحبيب بن أبي ثابت (ع) ، وحبيب بن أبي عمرة (خت م خد ت س) ، وحسان بن أبي الأشرس (س) ، وحصين بن عبد الرحمن (خ م ت س) ، والحكم بن عتيبة (خ م د س ق) ، وحماد بن أبي سليمان (س) ، وحنظلة بن أبي حمزة (قد) ، وخصيف بن عبد الرحمن الجزري (د ت س) ، وذر بن عبد الله الهمداني (خ ت س) ، وذكوان أبو صالح السمان (د) ، والزبير بن موسى (قد) ، وزيد العمي (ق) ، وسالم الأفطس (خ مد س ق) ، وسلمة بن كهيل (م ت س ق) ، وسليمان بن أبي المغيرة الكوفي (ق) ، وسليمان الأحول (خ م د س) ، وسليمان الأعمش (خ م س) ، وسماك بن حرب (م د ت س) ، وأبو سنان ضرار بن مرة الشيباني (بخ) ، وطارق بن عبد الرحمن البجلي (ت) ، وطلحة بن مصرف (خ م د س) ، وأبو سفيان طلحة بن نافع (ق) ، وعباد (س) على خلاف فيه ، وأبو حريز عبد الله بن الحسين قاضي سجستان (س) ، وابنه عبد الله بن سعيد بن جبير (خ م ت س) ، وعبد الله بن عبد الله الرازي (د) [ ص: 360 ] وعبد الله بن عبيد الأنصاري (س) ، وعبد الله بن عثمان بن خثيم (خت 4) ، وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (م س) ، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي (4) ، وعبد الكريم بن مالك الجزري (د س ق) ، وعبد الكريم أبو أمية البصري (ل) ، وابنه عبد الملك بن سعيد بن جبير (خ د ت) ، وعبد الملك بن أبي سليمان (ي م ت س) ، وعبد الملك بن ميسرة (س) ، وعثمان بن حكيم (م د) ، وعثمان بن أبي سليمان (خت) ، وعثمان بن قيس (قد) ، وعدي بن ثابت (ع) ، وعزرة بن عبد الرحمن (م د ق) ، وعطاء بن دينار ، وعطاء بن السائب (خ 4) ، وعكرمة بن خالد المخزومي (د س) ، وعلي بن بذيمة (س) ، وعمار الدهني (ق) ، وعمرو بن دينار (ع) ، وعمرو بن سعيد البصري (م س ق) ، وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب (خ) ، وعمرو بن مرة (خ م ت س) ، وعمرو بن هرم (م س) ، وفرقد السبخي (ت ق) ، وفضيل بن عمرو الفقيمي (ق) ، والقاسم بن أبي أيوب (س فق) ، والقاسم بن أبي بزة (خ م س) ، وكثير بن كثير بن المطلب (خ س) ، وكلثوم بن جبر (قد س) ، ومالك بن دينار ، ومجاهد بن جبر المكي (د) ، ومحمد بن سوقة (خ) ، ومحمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت (د) ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، ومحمد بن واسع ، ومخول بن راشد ، ومولاه مسعود بن مالك الأسدي (م س) ، ومسلم البطين (ع) ، والمغيرة بن النعمان (خ م د ت س) ، ومنصور بن حيان (م د س) ، ومنصور بن المعتمر (خ م د س) ، والمنهال بن عمرو (خ 4) ، وموسى بن أبي عائشة (خ م ت س) ، وأبو شهاب موسى بن نافع الحناط الأكبر (س) ، وميمون بن مهران (د س ق) ، وهشام بن حسان ، وهلال بن خباب (س) ، وهلال بن [ ص: 361 ] يساف ، وواقد أبو عبد الله (س) ، ووبرة بن عبد الرحمن (خ س) ، ووقاء بن إياس ، ووهب بن مأنوس (د س) ويقال : ابن ميناس ، وأبو هبيرة يحيى بن عباد الأنصاري (بخ د س ق) ، ويحيى بن عباد (ت) ، ويقال : يحيى بن عمارة (ت س) ، وأبو المعلى يحيى بن ميمون العطار الكوفي (خت س) ، ويعلى بن حكيم (خ م د س ق) ، ويعلى بن مسلم (خ م د ت س) ، وأبو إسحاق السبيعي (ع) ، وأبو حصين الأسدي (خ س) ، وأبو الزبير المكي (م 4) ، وأبو الصهباء الكوفي (ت فق) ، وأبو عون الثقفي (س) ، وأبو هاشم الرماني (س) .

                                                                          قال ضمرة بن ربيعة ، عن أصبغ بن زيد الواسطي : كان لسعيد بن جبير ديك ، كان يقوم من الليل بصياحه ، فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح ، فلم يصل سعيد تلك الليلة ، فشق عليه ، فقال : ما له ؟ قطع الله صوته . قال : فما سمع له صوت بعد ، فقالت له أمه : يا بني ، لا تدع على شيء بعدها .

                                                                          وقال خلف بن خليفة : حدثنا بواب الحجاج ، قال : رأيت رأس سعيد بن جبير بعدما سقط إلى الأرض يقول : لا إله إلا الله .

                                                                          وقال خلف بن خليفة أيضا عن رجل : إن سعيد بن جبير لما ندر رأسه ، هلل ثلاث مرات يفصح بها .

                                                                          وقال أبو الشيخ الأصبهاني : قدم سعيد بن جبير أصبهان أيام الحجاج ، وروى عنه من أهلها جماعة منهم : جعفر بن أبي المغيرة ، [ ص: 362 ] وحجر الأصبهاني ، ويزيد بن هزاري ، والقاسم بن أيوب . مات سنة خمس وتسعين ، قتله الحجاج صبرا ، وله ثلاثة بنين : عبد الله ، ومحمد ، وعبد الملك . قال : وكان فيما ذكر نازلا بسنبلان .

                                                                          وقال عمرو بن حمران ، عن عمر بن حبيب : كان سعيد بن جبير بأصبهان لا يحدث ثم رجع إلى الكوفة ، فجعل يحدث ، فقلنا له : كنت بأصبهان لا تحدث وتحدث بالكوفة ؟ فقال : انشر بزك حيث تعرف .

                                                                          وقال سفيان الثوري ، عن عطاء بن السائب : كان سعيد بن جبير بفارس ، وكان يتحزن يقول : ليس أحد يسألني عن شيء .

                                                                          وقال جرير بن عبد الحميد ، عن عطاء بن السائب : كان سعيد بن جبير يبكينا ، ثم عسى أن لا يقوم حتى نضحك .

                                                                          وقال شعبة ، عن القاسم الأعرج - وهو ابن أبي أيوب - : كان سعيد بن جبير بأصبهان ، وكان غلام مجوسي يخدمه ، وكان يأتيه بالمصحف في غلافه .

                                                                          وقال أصبغ بن زيد ، عن القاسم بن أبي أيوب : سمعت سعيد بن جبير يردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله الآية .

                                                                          [ ص: 363 ] وقال الحافظ أبو نعيم ، فيما أخبرنا أحمد بن أبي الخير ، عن القاضي أبي المكارم اللبان ، إذنا عن أبي علي الحداد عنه ، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ، قال : حدثني سعيد ابن أبي الربيع أبو بكر السمان ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن إسحاق مولى عبد الله بن عمر ، عن هلال بن يساف ، قال : دخل سعيد بن جبير الكعبة ، فقرأ القرآن في ركعة .

                                                                          وبه قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب ، قال : حدثنا أبو العباس السراج ، قال : حدثنا حاتم بن الليث الجوهري ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا الحسن بن صالح ، عن وقاء ، قال : كان سعيد بن جبير يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء في شهر رمضان .

                                                                          زاد غيره : وكانوا يؤخرون العشاء .

                                                                          وبه قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سعيد بن جبير ، أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين .

                                                                          وبه قال : حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا يعقوب - وهو القمي - عن جعفر - يعني ابن [ ص: 364 ] أبي المغيرة - قال : كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول : أليس فيكم ابن أم الدهماء ؟ يعني : سعيد بن جبير .

                                                                          وبه قال : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا طاهر بن أبي أحمد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن عمرو بن ميمون ، عن أبيه ، قال : لقد مات سعيد بن جبير وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه .

                                                                          وبه قال : حدثنا أبو حامد بن جبلة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، قال : حدثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي ، قال : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا صالح بن عمر ، عن داود بن أبي هند ، قال : لما أخذ الحجاج سعيد بن جبير قال : ما أراني إلا مقتولا وسأخبركم أني كنت أنا وصاحبان لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء ، ثم سألنا الله الشهادة ، فكلا صاحبي رزقها ، وأنا أنتظرها . قال : فكأنه رأى أن الإجابة عند حلاوة الدعاء .

                                                                          وبه قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، قال : حدثنا ضرار بن مرة الشيباني ، عن سعيد بن جبير ، قال : التوكل على الله جماع الإيمان .

                                                                          [ ص: 365 ] وبه قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن شبل ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، قال : سمعت أبا سنان يحدث ، عن سعيد بن جبير : أنه كان يدعو : اللهم ، إني أسألك صدق التوكل عليك ، وحسن الظن بك .

                                                                          وبه قال : حدثنا أحمد بن جعفر ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ، قال : قال : حدثني أبو كامل الفضيل بن الحسين ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، قال : خرجت مع سعيد بن جبير في أيام مضين من رجب ، فأحرم من الكوفة بعمرة ، ثم رجع من عمرته ، ثم أحرم بالحج في النصف من ذي القعدة ، وكان يحرم في كل سنة مرتين : مرة للحج ، ومرة للعمرة .

                                                                          وبه قال : حدثنا أبو بكر بن السندي ، قال : حدثنا جعفر الفريابي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن البلخي ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، قال : إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك ، فتلك الخشية ، والذكر طاعة الله ، فمن أطاع الله فقد ذكره ، ومن لم يطعه فليس بذاكر ، وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن .

                                                                          وبه قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ، قال : حدثنا أحمد بن موسى ، قال : حدثنا إسماعيل بن سعيد ، قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن هلال بن خباب ، قال : قلت لسعيد بن جبير : ما علامة هلاك الناس ؟ قال : إذا ذهب أو هلك علماؤهم .

                                                                          [ ص: 366 ] وبه قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني الوليد بن شجاع ، قال : حدثنا مخلد بن حسين ، عن هشام بن حسان ، قال : قال سعيد بن جبير : إني لأزيد في صلاتي من أجل ابني هذا . قال مخلد : قال هشام : رجاء أن يحفظ فيه .

                                                                          وبه قال : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا بشر بن موسى ، قال : حدثنا خلاد بن يحيى ، عن عمر بن ذر ، قال : كتب سعيد بن جبير إلى أبي كتابا أوصاه فيه بتقوى الله ، وقال : يا أبا عمر ، إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة . وذكر الفرائض والصلوات وما يرزقه الله من ذكره .

                                                                          وبه قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، قال : قرأت على الفضيل بن ميسرة ، عن أبي حريز : أن سعيد بن جبير ، قال : لا تطفئوا أسرجكم ليالي العشر - تعجبه العبادة - ويقول : أيقظوا خدمكم يتسحرون لصوم يوم عرفة .

                                                                          وبه قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن شبل ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن بكير بن عتيق ، قال : سقيت سعيد بن جبير شربة من عسل في قدح ، فشربها ثم قال : والله لأسئلن عن هذا . قال : فقلت له : لمه ؟ فقال : شربته وأنا أستلذه .

                                                                          وبه قال : حدثنا أبو حامد بن جبلة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا زياد بن أيوب ، قال : حدثنا عباد بن العوام أبو سهل ، قال : أخبرني هلال بن خباب ، قال : خرجنا مع سعيد بن جبير [ ص: 367 ] في جنازة قال : فكان يحدثنا في الطريق ، ويذكرنا حتى بلغ ، فلما بلغ جلس ، فلم يزل يحدثنا حتى قمنا فرجعنا ، وكان كثير الذكر لله عز وجل .

                                                                          وبه قال : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، قال : وددت أن الناس أخذوا ما عندي فإنه مما يهمني .

                                                                          وبه قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، قال : أتيت سعيد بن جبير بمكة ، فقلت : إن هذا الرجل قادم ، يعني : خالد بن عبد الله ، ولا آمنه عليك ، فأطعني واخرج ، فقال : والله لقد فررت حتى استحييت من الله ، قلت : والله إني لأراك كما سمتك أمك سعيدا ، قال : فقدم مكة فأرسل إليه فأخذه .

                                                                          وبه قال : حدثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا إبراهيم بن خالد ، قال : حدثنا أمية بن شبل ، عن عثمان بن بوذويه ، قال : كنت مع وهب بن منبه ، وسعيد بن جبير يوم عرفة بنخيل ابن عامر ، فقال وهب لسعيد : أبا عبد الله ، كم لك منذ خفت من الحجاج ، قال : خرجت عن امرأتي وهي حامل فجاءني الذي في بطنها ، وقد خرج وجهه ، فقال له وهب : [ ص: 368 ] إن من قبلكم كان إذا أصاب أحدهم بلاء عده رخاء ، وإذا أصابه رخاء عده بلاء .

                                                                          وبه قال : حدثنا أبو حامد بن جبلة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ، قال : حدثنا سفيان ، عن سالم بن أبي حفصة ، قال : لما أتى سعيد بن جبير الحجاج ، قال : أنت شقي بن كسير ! قال : أنا سعيد بن جبير . قال : لأقتلنك . قال : أنا إذا كما سمتني أمي . قال : دعوني أصلي ركعتين . قال : وجهوه إلى قبلة النصارى . قال : فأينما تولوا فثم وجه الله قال : إني أستعيذ منك بما عاذت به مريم . قال : وما عاذت به مريم ؟ قال : قالت : إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا

                                                                          قال سفيان : لم يقتل بعد سعيد بن جبير إلا رجلا واحدا .

                                                                          وبه قال : حدثنا أبو حامد بن جبلة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا حاتم بن الليث ، قال : حدثنا سعيد بن هشيم ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عقبة مولى الحجاج ، قال : حضرت سعيد بن جبير حين أتي به الحجاج بواسط ، فجعل الحجاج يقول له : ألم أفعل بك ؟ ألم أفعل بك ؟ فيقول : بلى . قال : فما حملك على ما صنعت من خروجك علينا ؟ قال : بيعة كانت علي . قال : فغضب الحجاج وصفق بيديه ، قال : فبيعة أمير المؤمنين كانت أسبق وأولى . وأمر به ، فضربت عنقه .

                                                                          [ ص: 369 ] وبه قال : حدثنا أبو حامد ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا الحسن بن عبد العزيز ، قال : حدثنا سنيد ، عن خلف بن خليفة ، عن أبيه ، قال : شهدت مقتل سعيد بن جبير ، فلما بان رأسه قال : لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله ، ثم قالها الثالثة فلم يتمها .

                                                                          وبه قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا خالي أحمد بن محمد بن يوسف ، قال : أخبرني أبو أمية محمد بن إبراهيم في كتابه إلي ، قال : حدثنا حامد بن يحيى ، قال : حدثنا حفص أبو مقاتل السمرقندي ، قال : حدثنا عون بن أبي شداد العبدي ، قال : بلغني أن الحجاج بن يوسف لما ذكر له سعيد بن جبير أرسل إليه قائدا من أهل الشام من خاصة أصحابه ، يسمى المتلمس بن الأحوص ، ومعه عشرون رجلا من أهل الشام من خاصة أصحابه ، فبينما هم يطلبونه إذا هم براهب في صومعة له ، فسألوه عنه ، فقال الراهب : صفوه لي . فوصفوه له ، فدلهم عليه ، فانطلقوا فوجدوه ساجدا يناجي بأعلى صوته ، فدنوا منه فسلموا عليه ، فرفع رأسه فأتم بقية صلاته ، ثم رد عليهم السلام ، فقالوا : إنا رسل الحجاج إليك فأجبه . قال : ولا بد من الإجابة ؟ قالوا : لا بد . فحمد الله ، وأثنى عليه ، وصلى على نبيه ، ثم قام فمشى معهم حتى انتهى إلى دير الراهب ، فقال الراهب : يا معشر الفرسان ، أصبتم صاحبكم ؟ قالوا : نعم . فقال لهم : اصعدوا الدير فإن اللبوة ، والأسد يأويان حول الدير ، فعجلوا الدخول قبل المساء . ففعلوا ذلك وأبى سعيد أن يدخل الدير ، فقالوا : ما نراك إلا وأنت تريد الهرب منا . قال : لا ، ولكن لا أدخل منزل مشرك أبدا . قالوا : فإنا لا ندعك ، فإن السباع تقتلك . قال سعيد : لا ضير إن معي [ ص: 370 ] ربي فيصرفها عني ويجعلها حرسا حولي تحرسني من كل سوء إن شاء الله . قالوا : فأنت من الأنبياء ؟ قال : ما أنا من الأنبياء ، ولكن عبد من عبيد الله ، خاطئ مذنب . قال الراهب : فليعطني ما أثق به على طمأنينة . فعرضوا على سعيد أن يعطي الراهب ما يريد ، قال سعيد : إني أعطي العظيم الذي لا شريك له ، لا أبرح مكاني حتى أصبح إن شاء الله . فرضي الراهب بذلك ، فقال لهم : اصعدوا وأوتروا القسي لتنفروا السباع عن هذا العبد الصالح ، فإنه كره الدخول علي في الصومعة لمكانكم . فلما صعدوا وأوتروا القسي إذا هم بلبوة قد أقبلت ، فلما دنت من سعيد تحككت به وتمسحت به ، ثم ربضت قريبا منه ، وأقبل الأسد فصنع مثل ذلك ، فلما رأى الراهب ذلك وأصبحوا ، نزل إليه فسأله عن شرائع دينه وسنن رسوله - صلى الله عليه وسلم - ففسر له سعيد ذلك كله ، فأسلم الراهب وحسن إسلامه .

                                                                          وأقبل القوم على سعيد يعتذرون إليه ويقبلون يديه ورجليه ، ويأخذون التراب الذي وطئه بالليل فصلوا عليه ، فيقولون : يا سعيد ، حلفنا الحجاج بالطلاق والعتاق إن نحن رأيناك لا ندعك حتى نشخصك إليه ، فمرنا بما شئت . قال : امضوا لأمركم ، فإني لائذ بخالقي ولا راد لقضائه ، فساروا حتى بلغوا واسطا ، فلما انتهوا إليها قال لهم سعيد : يا معشر القوم ، قد تحرمت بكم وصحبتكم ولست أشك أن أجلي قد حضر ، وأن المدة قد انقضت ، فدعوني الليلة آخذ أهبة الموت ، وأستعد لمنكر ونكير ، وأذكر عذاب القبر ، وما يحثى علي من التراب ، فإذا أصبحتم فالميعاد بيني وبينكم المكان الذي تريدون . وقال بعضهم : لا نريد أثرا بعد عين . وقال بعضهم : قد بلغتم أمنكم ، [ ص: 371 ] واستوجبتم جوائزكم من الأمير ، فلا تعجزوا عنه .

                                                                          فقال بعضهم : يعطيكم ما أعطى الراهب ، ويلكم ، أما لكم عبرة بالأسد كيف تحككت به ، وتمسحت وحرسته إلى الصباح ؟ وقال بعضهم : هو علي أدفعه إليكم إن شاء الله . فنظروا إلى سعيد قد دمعت عيناه وشعث رأسه واغبر لونه ، ولم يأكل ولم يشرب ولم يضحك منذ يوم لقوه وصحبوه ، فقالوا بجماعتهم : يا خير أهل الأرض ، ليتنا لم نعرفك ، ولم نسرح إليك ، الويل لنا ويلا طويلا ، كيف ابتلينا بك ؟ اعذرنا عند خالقنا يوم الحشر الأكبر ، فإنه القاضي الأكبر والعدل الذي لا يجور . فقال سعيد : ما أعذرني لكم وأرضاني لما سبق من علم الله في . فلما فرغوا من البكاء والمجاوبة والكلام فيما بينهم قال كفيله : أسألك بالله يا سعيد ، لما زودتنا من دعائك وكلامك ، فإنا لن نلقى مثلك أبدا ، ولا نرى أنا نلتقي إلى يوم القيامة .

                                                                          قال : ففعل ذلك سعيد ، فخلوا سبيله ، فغسل رأسه ومدرعته وكساءه وهم محتفون الليل كله ينادون بالويل واللهف ، فلما انشق عمود الصبح جاءهم سعيد بن جبير فقرع الباب ، فقالوا : صاحبكم ورب الكعبة ، فنزلوا إليه وبكوا معه طويلا ، ثم ذهبوا به إلى الحجاج وآخر معه ، فدخلا على الحجاج ، فقال الحجاج : أتيتموني بسعيد بن جبير ؟ قالوا : نعم ، وعاينا منه العجب . فضرب بوجهه عنهم ، فقال : أدخلوه علي ، فخرج المتلمس فقال : أستودعك الله وأقرأ عليك السلام . قال : فأدخل عليه فقال له : ما اسمك ؟ قال : سعيد بن جبير . قال : أنت شقي بن كسير . قال : بل أمي كانت أعلم باسمي منك . قال : شقيت أنت وشقيت أمك . قال : الغيب يعلمه غيرك . قال : لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى . قال : [ ص: 372 ] لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها . قال : فما قولك في محمد ؟ قال : نبي الرحمة إمام الهدى . قال : فما قولك في علي ، في الجنة هو أم في النار ؟ قال : لو دخلتها فرأيت أهلها عرفت من فيها . قال : فما قولك في الخلفاء ؟ قال : لست عليهم بوكيل . قال : فأيهم أعجب إليك ؟ قال : أرضاهم لخالقي . قال : فأيهم أرضى للخالق . قال : علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم . قال : أبيت أن تصدقني . قال : إني لم أحب أن أكذبك . قال : فما بالك لم تضحك ؟ قال : وكيف يضحك مخلوق خلق من الطين ، والطين تأكله النار . قال : فما بالنا نضحك ؟ قال : لم تستو القلوب .

                                                                          قال : ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والزبرجد والياقوت ، فجمعه بين يدي سعيد بن جبير ، فقال له سعيد : إن كنت جمعت هذا لتفتدي به من فزع يوم القيامة فصالح ، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، ولا خير في شيء جمع للدنيا إلا ما طاب وزكا .

                                                                          ثم دعا الحجاج بالعود والناي ، فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى سعيد بن جبير ، فقال له : ما يبكيك هو اللهو ؟ قال سعيد : بل هو الحزن ، أما النفخ فذكرني يوما عظيما ، يوم ينفخ في الصور ، وأما العود فشجرة قطعت في غير حق ، وأما الأوتار فإنها أمعاء الشاء يبعث بها معك يوم القيامة . فقال الحجاج : ويلك يا سعيد . فقال سعيد : الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار .

                                                                          قال الحجاج : اختر يا سعيد ، أي قتلة تريد أن أقتلك ؟ قال : اختر لنفسك يا حجاج ، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك مثلها في الآخرة . قال : فتريد أن أعفو عنك ؟ قال : إن كان العفو فمن الله ، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر . قال : اذهبوا به فاقتلوه . فلما خرج من [ ص: 373 ] الباب ضحك ، فأخبر الحجاج بذلك ، فأمر برده فقال : ما أضحكك ؟ قال عجبت من جرأتك على الله ، وحلم الله عنك . فأمر بالنطع فبسط فقال : اقتلوه . فقال سعيد : " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين " قال : شدوا به لغير القبلة . قال سعيد : فأينما تولوا فثم وجه الله قال : كبوه لوجهه . قال سعيد : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى قال الحجاج : اذبحوه . قال سعيد : أما إني أشهد وأحاج أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة .

                                                                          ثم دعا سعيد الله وقال : اللهم ، لا تسلطه على أحد يقتله بعدي . فذبح على النطع - رحمة الله عليه - قال : وبلغنا أن الحجاج عاش بعده خمس عشرة ليلة ، ووقعت الأكلة في بطنه ، فدعا بالطبيب لينظر إليه ، فنظر إليه ، ثم دعا بلحم منتن ، فعلقه في خيط ثم أرسله في حلقه فتركه ساعة ثم استخرجه وقد لزق به من الدم ، فعلم أنه ليس بناج . وبلغنا أنه كان ينادي بقية حياته : ما لي ولسعيد بن جبير ، كلما أردت النوم أخذ برجلي ؟

                                                                          وبه قال : حدثنا أبو حامد ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا هارون بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن مسلمة بن هشام بن إسماعيل أبو هشام المخزومي ، قال : حدثنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن كاتب الحجاج - يقال له : يعلى ، قال مالك : هو أخ لأبي سلمة . [ ص: 374 ] الذي كان على بيت المال - قال : كنت أكتب للحجاج وأنا يومئذ غلام ، حديث السن ، يستخفني ويستحسن كتابتي ، وأدخل عليه بغير إذن ، فدخلت عليه يوما بعدما قتل سعيد بن جبير ، وهو في قبة لها أربعة أبواب ، فدخلت عليه مما يلي ظهره ، فسمعته يقول : ما لي ولسعيد بن جبير ؟ فخرجت رويدا وعلمت أنه إن علم بي قتلني ، فلم ينشب الحجاج بعد ذلك إلا يسيرا ، يعني : حتى مات .

                                                                          وبه قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر ، وأحمد بن محمد بن موسى ، قالا : حدثنا محمد بن عبد الله بن رستة ، قال : حدثنا إبراهيم بن الحسن العلاف ، قال : حدثنا إبراهيم بن يزيد الصفار ، قال : حدثنا حوشب عن الحسن ، قال : لما أتي الحجاج بسعيد بن جبير قال : أنت الشقي بن كسير . قال : أنا سعيد بن جبير . قال : بل أنت الشقي بن كسير . قال : كانت أمي أعرف باسمي منك ، قال : وما تقول في محمد ؟ قال : تعني النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قال : سيد ولد آدم ، النبي المصطفى ، خير من بقي ، وخير من مضى . قال : فما تقول في أبي بكر ؟ قال : الصديق خليفة رسول الله ، مضى حميدا ، وعاش سعيدا ، مضى على منهاج نبيه - صلى الله عليه وسلم - لم يغير ولم يبدل . قال : فما تقول في عمر ؟ قال : عمر الفاروق خيرة الله وخيرة رسوله ، مضى حميدا على منهاج صاحبه ، لم يغير ولم يبدل . قال : فما تقول في عثمان ؟ قال : المقتول ظلما ، المجهز جيش العسرة ، الحافر بئر رومة ، المشتري بيته في الجنة ، صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابنتيه ، زوجه النبي - صلى الله عليه [ ص: 375 ] وسلم - بوحي من السماء . قال : فما تقول في علي ؟ قال : ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأول من أسلم ، وزوج فاطمة ، وأبو الحسن والحسين . قال : فما تقول في معاوية ؟ قال : شغلتني نفسي عن تصريف هذه الأمة ، وتمييز أعمالها . قال : فما تقول في ؟ قال : أنت أعلم ونفسك . قال : بث بعلمك . قال : إذا يسؤك ولا يسرك . قال : بث بعلمك . قال : اعفني . قال : لا عفا الله عني إن أعفيك . قال : إني لأعلم أنك مخالف لكتاب الله ، ترى من نفسك أمورا تريد بها الهيبة وهي تقحمك الهلك ، وسترد غدا فتعلم . قال : أما والله لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحدا قبلك ، ولا أقتلها أحدا بعدك . قال : إذا تفسد علي دنياي وأفسد عليك آخرتك . قال : يا غلام ، السيف والنطع . فلما ولى ضحك ، قال : أليس قد بلغني أنك لم تضحك ؟ قال : قد كان ذلك . قال : فما أضحكك عند القتل ؟ قال : من جرأتك على الله ، ومن حلم الله عنك . قال : يا غلام ، اقتله .

                                                                          فاستقبل القبلة فقال : " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين " .

                                                                          فصرف وجهه عن القبلة فقال : فأينما تولوا فثم وجه الله قال : اضرب به الأرض . قال : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى قال : اذبح عدو الله فما أنزعه لآيات القرآن منذ اليوم .

                                                                          وبه قال : حدثنا عبد الرحمن بن العباس ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ، قال : حدثنا أحمد بن منصور ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمر بن سعيد - وهو ابن أبي حسين - قال : دعا سعيد بن جبير ابنه حين دعي ليقتل ، فجعل ابنه يبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة ؟

                                                                          إلى هنا عن أبي نعيم ، عن شيوخه .

                                                                          [ ص: 376 ] وقد روي أن الحجاج مات بعده بستة أشهر .

                                                                          وقال أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري : هو ثقة إمام حجة على المسلمين ، قتل في شعبان سنة خمس وتسعين ، وهو ابن تسع وأربعين سنة .

                                                                          روى له الجماعة .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية