الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
304 - أخبرنا خلف بن عمرو العكبري ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : سمعت وكيعا يقول : ( أهل السنة يقولون : " الإيمان قول وعمل " ، والمرجئة يقولون : " الإيمان قول " والجهمية يقولون : " الإيمان المعرفة " ) .

قال محمد بن الحسين :

من قال : الإيمان قول دون العمل ، يقال له : رددت القرآن والسنة ، وما عليه جميع العلماء ، وخرجت من قول المسلمين وكفرت بالله العظيم .

فإن قال : بم ذا ؟

[ ص: 685 ] قيل له : إن الله تعالى أمر المؤمنين بعد أن صدقوا في إيمانهم أمرهم بالصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد ، وفرائض كثيرة ، يطول ذكرها مع شدة خوفهم على التفريط فيها النار والعقوبة الشديدة .

فمن زعم أن الله تعالى فرض على المؤمنين ما ذكرنا ولم يرد منهم العمل ، ورضي منهم بالقول ، فقد خالف الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى لما تكامل أمر الإسلام بالأعمال قال : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس . . . " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من ترك الصلاة فقد كفر " .

قال محمد بن الحسين :

ومن قال : " الإيمان : المعرفة " دون القول والعمل ، فقد أتى بأعظم من مقالة من قال : " الإيمان : قول " ، ولزمه أن يكون إبليس على قوله مؤمنا ، لأنه قد عرف ربه ، ( قال رب بما أغويتني ) ، وقال : ( رب فأنظرني ) . . ولزمه أن يكون [ ص: 686 ] اليهود - بمعرفتهم بالله وبرسوله - أن يكونوا مؤمنين ؛ قال الله تعالى : ( يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) فقد أخبر عز وجل أنهم يعرفون الله تعالى ورسوله .

ويقال لهم : أيش الفرق بين الإسلام وبين الكفر ؟ وقد علمنا أن أهل الكفر قد عرفوا بعقولهم أن الله تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما ، ولا ينجيهم في ظلمات البر والبحر إلا الله ، وإذا أصابتهم الشدائد لا يدعون إلا الله .

فعلى قولهم - إن الإيمان المعرفة - كل هؤلاء مثل من قال : الإيمان : المعرفة . على قائل هذه المقالة الوحشية لعنة الله .

بل نقول - والحمد لله - قولا يوافق الكتاب والسنة ، وعلماء المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم - وقد تقدم ذكرنا لهم - إن الإيمان معرفة بالقلب - تصديقا يقينيا - وقول باللسان ، وعمل بالجوارح ، لا يكون مؤمنا إلا [ ص: 687 ] بهذه الثلاثة ، لا يجزئ بعضها عن بعض ، والحمد لله على ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية