الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            2 - باب عدد الإبل وأسنانها في دية الخطأ

                                                            3017 - روينا في حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض ، والسنن ، والديات فذكر الحديث ، وفيه " وإن في النفس الدية مائة من الإبل " .

                                                            3018 - وروينا عن عمر ، وعلي ، وعبد الله ، وزيد بن ثابت أنهم قالوا : في الدية مائة من الإبل .

                                                            3019 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أخبرنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ، أخبرنا أبو نعيم ، أخبرنا سعيد بن عبيد ، عن بشير بن يسار زعم أن رجلا من الأنصار يقال له : سهل بن أبي حثمة أخبره ، فذكر حديث القسامة في قتيل وجدوه قال فيه : كره النبي صلى الله عليه وسلم أن [ ص: 233 ] يبطل دمه فوداه بمائة من إبل الصدقة .

                                                            قلت : وقوله : من إبل الصدقة يدل على أنه وداه بدية الخطأ متبرعا بذلك حين لم تثبت دعواهم ، إذ لا مدخل للثنايا الخلفة الواجبة في دية العمد في إبل الصدقة ، وإنما إبل الصدقة الأسنان التي يوجبها في دية الخطأ ، والله أعلم .

                                                            3020 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف البغدادي ، أخبرنا أبو عمرو عثمان محمد بن بشر ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس ، وعيسى بن مينا قالا : أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، أن أباه ، قال : كان من أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم : منهم سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار في مشيخة جلة سواهم من نظرائهم ، وربما اختلفوا في الشيء ، فنأخذ بقول أكثرهم ، وأفضلهم رأيا ، فذكر أقوالا قالوها قال : وكانوا يقولون : العقل في الخطأ خمسة أخماس : فخمس جذاع ، وخمس حقاق ، وخمس بنات لبون ، وخمس بنات مخاض ، وخمس بنو لبون ذكور ، والسن في كل جرح قل أو كثر خمسة أخماس على هذه الصفة .

                                                            وروينا من وجه آخر ، عن سليمان بن يسار ، والزهري ، وربيعة ،

                                                            3020 - وروينا عن غيرهم من الصحابة ، والتابعين أقوالا مختلفة في أسنان الإبل في دية الخطأ .

                                                            3021 - قال الشافعي : فألزم القاتل مائة من الإبل بالسنة ، ثم ما لم يختلفوا فيه ، ولا ألزم من أسنان الإبل إلا أقل ما قالوا : يلزمه لأن اسم الإبل يلزم الصغار ، والكبار .

                                                            3022 - قلت : هذا الذي قال الشافعي صحيح في غير ما روي عن ابن مسعود ، فإن الذي رويناه عن التابعين من أهل المدينة أقل ما قيل في أسنان الإبل في دية الخطأ ، واسم الإبل واقع عليها ، ولا يجيز أكبر منها .

                                                            وأما ابن مسعود ، فقد اختلفت الرواية عنه مثل قول هؤلاء ذكره محمد بن إسحاق بن خزانة في كتابه ، وذكره أبو الحسن الدارقطني في كتابه والمشهور عن [ ص: 234 ] عبد الله بن مسعود ما :

                                                            3023 - أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البغدادي بها ، أخبرنا حمزة بن محمد بن العباس ، أخبرنا العباس بن محمد الدوري ، أخبرنا عبيد الله بن موسى ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود أنه قال : في الخطأ أخماسا : عشرون حقة ، وعشرون جذعة ، وعشرون بنات لبون وعشرون بنات مخاض ، وعشرون بنو مخاض " .

                                                            3024 - وأخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، أخبرنا محمد بن عبد الملك ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله في دية الخطأ ، أخماس : خمس بنو مخاض ، وخمس بنات مخاض ، وخمس بنات لبون ، وخمس بنات حقاق ، وخمس جذاع .

                                                            هذا هو المعروف عن ابن مسعود ، وكذلك رواه وكيع بن الجراح في كتابه المصنف في الديات .

                                                            3025 - عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ( ح ) ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن علقمة ، عن عبد الله .

                                                            وكذلك حكاه أبو بكر بن المنذر في الخلافيات ، وصار إليه إذ هو أقل ما قيل في أسنان الإبل ، ومن رغب عن القول به احتج بما روينا في حديث القسامة من أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وداه بمائة من إبل الصدقة ، ولا مدخل لبني المخاض في إبل الصدقة ، ودعواهم في حديث القسامة ، وإن كانت في قتل العمد ، فحين لم تثبت دعواهم وداه النبي صلى الله عليه وسلم بدية الخطأ متبرعا بذلك من إبل الصدقة ، ولا مدخل لبني المخاض في أصول الصدقات ، ولم يده بدية العمد ، فقد قال : من إبل الصدقة ، ولا مدخل للخلفات التي تجب في العمد في أصول الصدقات ، وعلل حديث ابن مسعود بأنه منقطع لأن رواية ابن إسحاق ، عن علقمة مرسلا .

                                                            3025 - أخبرنا أبو سعيد الماليني ، أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ ، أخبرنا أبو عروبة ، ويحيى بن صاعد قالا : أخبرنا بندار ، أخبرنا أمية بن خالدة ، أخبرنا شعبة ، قال : كنت عند أبي إسحاق فقال رجل لأبي إسحاق : إن شعبة يقول : " إنك لم [ ص: 235 ] تسمع من علقمة شيئا ، فقال : صدق .

                                                            3026 - قلت : ورواية أبي عبيدة ، عن ابن مسعود أيضا مرسلة .

                                                            3027 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا أبو عمرو بن السماك ، أخبرنا حنبل بن إسحاق ، حدثني أبو عبد الله ، أخبرنا محمد بن جعفر ، أخبرنا شعبة ، عن عمر بن مرة قال : سألت أبا عبيدة هل تذكر من عبد الله شيئا ؟ قال : ما أذكر منه شيئا .

                                                            3028 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال : سمعت العباس بن محمد يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : أبو إسحاق قد رأى علقمة ، ولم يسمع منه وقال : سمعت يحيى يقول : أبو عبيدة بن عبد الله لم يسمع من أبيه . قلت : وأما رواية إبراهيم ، عن عبد الله منقطعة لا شك فيها إلا أنها مراسيل قد انضم بعضها إلى بعض ، فالقول بها مع وقوع اسم الإبل المفروضة على الأسنان المذكورة فيها وجه صحيح ، والله أعلم .

                                                            3029 - أخبرنا أبو علي الروذباري ، وأبو الحسين بن بشران قالا : أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، أخبرنا سعدان بن نصر ، أخبرنا أبو معاوية ، عن الحجاج بن أرطأة ، عن زيد بن جبير ، عن خشف بن مالك ، عن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الدية في الخطأ أخماسا .

                                                            هكذا رواه أبو معاوية ، وكذلك رواه حفص بن غياث ، وجماعة ، عن الحجاج دون ذكر الأسنان فيه .

                                                            3030 - ورواه عبد الواحد بن زياد ، عن الحجاج بإسناده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " في دية الخطأ عشرون حقة ، وعشرون جذعة ، وعشرون ابنة مخاض ، وعشرون ابنة لبون ، وعشرون ابن مخاض ذكر .

                                                            3031 - أخبرنا أبو علي الروذباري ، أخبرنا أبو بكر بن داسة ، أخبرنا أبو داود ، أخبرنا مسدد ، أخبرنا عبد الواحد بن زياد ، أخبرنا الحجاج بن أرطأة ، فذكره .

                                                            [ ص: 236 ] وكذلك رواه عبد الرحيم بن سليمان ، عن الحجاج ، وخالفهما يحيى بن سعيد الأموي ، وإسماعيل بن عياش ، عن الحجاج ، فجعل مكان بني المخاض : بني اللبون .

                                                            3031 - أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو بكر بن الحارث قالا : أخبرنا علي بن عمر الحافظ ، قال : حدثنا بذلك أحمد بن عبد الله وكيل أبي صخرة ، أخبرنا عمار بن خالد التمار ، أخبرنا يحيى بن سعيد الأموي ، قال : قال علي : وحدثنا أحمد بن محمد بن رميح ، أخبرنا أحمد بن محمد بن إسحاق العنزي ، أخبرنا علي بن حجر ، أخبرنا إسماعيل بن عياش كلاهما عن الحجاج ، فجعلا مكان بني المخاض بني اللبون ، وكيف ما كان ، فالحجاج غير محتج به ، وخشف بن مالك مجهول ، ويجهل أن يكون الحديث على ما رواه أبو معاوية ، وتفسير الإسنادين جهة الحجاج فلذلك اختلفت الرواية عنه فيها ، والله تعالى أعلم .

                                                            التالي السابق


                                                            الخدمات العلمية