الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            كتاب الحدود [ ص: 286 ] [ ص: 287 ] كتاب الحدود

                                                            1 - باب الزنا

                                                            3186 - قال الشافعي رحمه الله : كان أول عقوبة الزانيين في الدنيا : الحبس ، والأذى ، ثم نسخ الله الحبس والأذى في كتابه ، فقال : الزانية والزاني ، فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة .

                                                            قال الشيخ : قد روينا هذا عن عبد الله بن عباس ، ثم عن مجاهد ، زاد مجاهد في قوله : " أو يجعل الله لهن سبيلا " قال : الحدود .

                                                            3187 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو طاهر الفقيه ، قالا : أخبرنا علي بن حمشاد ، أخبرنا الحارث بن أبي أسامة ، أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء ، أخبرنا سعيد يعني ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت ، وكان عقبيا بدريا أحد نقباء الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك ، وتربد له وجهه ، فأنزل عليه ذات يوم ، فلقي ذلك ، فلما أن سري عنه قال : " خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ، الثيب بالثيب ، والبكر بالبكر ، الثيب : جلد مائة ، ثم رجم بالحجارة ، والبكر جلد مائة ، ثم نفي سنة " .

                                                            3188 - قال الشافعي : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني ، فقد جعل الله لهن سبيلا " أول ما أنزل فنسخ به الحبس ، والأذى عن الزانيين ، فلما رجم النبي صلى الله عليه وسلم ، ماعزا ، ولم يجلده ، وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة الآخر ، فإن اعترفت [ ص: 288 ] رجمها دل على نسخ الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين ، وثبت الرجم عليهما .

                                                            3189 - أما حديث ماعز ، فأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا جعفر بن محمد الصائغ ، والعباس بن محمد الدوري ح وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، أخبرنا عباس بن عبد الله الترقفي قالوا : أخبرنا يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي ، أخبرنا أبي ، أخبرنا غيلان بن جامع ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه قال : جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! طهرني ، فقال : " ويحك ارجع ، فاستغفر الله ، وتب إليه " ، قال : فرجع غير بعيد ، ثم جاءه ، فقال : يا رسول الله ! طهرني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويحك ارجع ، فاستغفر الله ، وتب إليه " ، قال : فرجع غير بعيد ، ثم جاء ، فقال : يا رسول الله ! طهرني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثل ذلك حتى إذا كانت الرابعة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " مم أطهرك " ؟ فقال : من الزنا ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم : " أبه جنون ؟ " فأخبر أنه ليس به جنون ، فقال : " أشرب خمرا ؟ فقام رجل ، فاستنهكه ، فلم يجد منه ريح خمر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أثيب أنت ؟ " قال : نعم ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، فرجم ، فكان الناس فيه فرقتين تقول فرقة : لقد هلك ماعز على أسوأ عمله ، لقد أحاطت به خطيئته ، وقائل يقول : ما توبة أفضل من توبة ماعز أن جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع يده في يده ، فقال : اقتلني بالحجارة ، قال : فلبثوا بذلك يومين ، أو ثلاثة ، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم جلوس ، فسلم ، ثم جلس ، ثم قال : " استغفروا لماعز بن مالك " ، فقالوا : أيغفر الله لماعز بن مالك ، قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتها " .

                                                            ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد ، فقالت : يا رسول الله ! طهرني ، فقال : " ويحك ارجعي ، واستغفري الله ، وتوبي إليه " ، قالت : لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك ، قال : " وما ذلك " قالت : إنها حبلى من الزنا ، قال : " أثيب أنت ؟ " قالت : نعم قال : " إذا لا نرجمك حتى تضعي ما في بطنك " ، [ ص: 289 ] قال : فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد وضعت الغامدية ، فقال : " إذا لا نرجمها ، وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه " ، فقام رجل من الأنصار ، فقال : إلي رضاعه يا رسول الله ، فرجمها " .


                                                            3190 - وروينا في حديث حماد بن سلمة ، عن سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا ، ولم يذكر جلدا " .

                                                            3191 - وروينا في حديث أبي هريرة أن الأسلمي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراما أربع مرات كل ذلك يعرض عنه ، فأقبل في الخامسة ، فقال : " أنكتها ؟ " قال : نعم ، قال : " حتى غاب ذلك منك في ذلك منها ؟ " قال : نعم ، قال : " كما يغيب المرود في المكحلة ، والرشا في البئر " قال : نعم ، قال : " هل تدري ما الزنا ؟ " قال : نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال : " فما تريد بهذا القول ؟ " قال : أريد أن تطهرني ، فأمر به ، فرجم " .

                                                            3192 - أخبرنا أبو علي الروذباري ، أخبرنا أبو بكر بن داسة ، أخبرنا أبو داود ، أخبرنا الحسن بن علي ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير أن عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة ، أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول : جاء الأسلمي ، فذكره .

                                                            3193 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، أخبرنا أحمد بن منصور ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن جابر بن عبد الله أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا ، فأعرض عنه ، ثم اعترف ، فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع مرات ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ، : " أبك جنون ؟ " قال : لا ، قال : " أحصنت ؟ " قال : نعم ، فأمر به النبي [ ص: 290 ] صلى الله عليه وسلم فرجم بالمصلى ، فلما أذلقته الحجارة ، فر فأدرك فرجم حتى مات ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيرا ، " ولم يصل عليه .

                                                            هذا هو الصحيح لم يصل عليه ، ورواه البخاري عن محمود بن غيلان ، عن عبد الرزاق قال فيه : فصلى عليه ، وهو خطأ لإجماع أصحاب عبد الرزاق على خلافه ، وإنما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجهنية ، وهو فيها .

                                                            3194 - أخبرنا أبو بكر بن فورك ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، أخبرنا يونس بن حبيب ، أخبرنا أبو داود ، أخبرنا هشام ، عن يحيى بن أبي كثير أن أبا قلابة حدثه عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين : أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي حبلى من الزنا ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وليها أن يحسن إليها ، فإذا وضعت حملها ، فائتني بها ففعل ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، فشكت عليها ثيابها ، ثم أمر بها ، فرجمت ، ثم صلى عليها ، فقال له عمر : يا رسول الله أتصلي عليها ، وقد زنت ، فقال : " لقد تابت توبة لو قسمت بين أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت شيئا أفضل من أن جادت بنفسها " .

                                                            وقال غيره ، عن هشام " بين سبعين من أهل المدينة " ، وكأنه سقط من كتابي ، أو من كتاب شيخي ، وأما حفير المرجوم : -

                                                            3195 - فقد روينا عن أبي سعيد الخدري أنه قال في ماعز بن مالك ، فوالله ما حفرنا له ولا أوثقناه " .

                                                            3196 - وروينا عن بشير بن مهاجر ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : فأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فحفر له حفرة ، فجعل فيها إلى صدره ، وقال في الغامدية ، ثم أمر بها ، فحفر لها حفرة ، فجعلت فيها إلى صدرها ، وكذلك في حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ، رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة . [ ص: 291 ]

                                                            وفي رواية اللجلاج في قصة الشاب المحصن الذي اعترف بالزنا قال : فأمر به ، فرجم ، فخرجنا به ، فحفرنا له حتى أمكنا ثم رميناه بالحجارة حتى هدأ .

                                                            3197 - وفي حديث أبي هريرة في قصة ماعز ، فلما وجد مس الحجارة فر يشتد ، فمر رجل معه لحي بعير ، فضربه ، فقتله ، فذكر فراره للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أفلا تركتموه " .

                                                            3198 - وفي رواية يزيد بن نعيم بن هزال ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : في ماعز لما ذهب : " ألا تركتموه ، فلعله يتوب ، فيتوب الله عليه " ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا هزال لو كنت سترته عليه بثوبك لكان خيرا لك مما صنعت " .

                                                            3199 - أخبرنا أبو الحسن بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد ، أخبرنا محمد بن غالب ، أخبرنا أبو حذيفة ، أخبرنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن يزيد بن نعيم بن هزال الأسلمي ، فذكره .

                                                            3200 - وأما حديث أنيس الأسلمي ، فأخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان ، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، أخبرنا يعقوب بن سفيان ، أخبرنا ابن قعنب ، وابن بكير ، عن مالك ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة ، وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أحدهما : يا رسول الله ! اقض بيننا بكتاب الله ، وقال الآخر ، وكان أفقههما : أجل يا رسول الله ، اقض بيننا بكتاب الله ، ائذن لي أن أتكلم قال : " تكلم " قال : إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته ، فأخبروني أن على ابني الرجم ، فافتديت منه بمائة شاة ، وجارية لي ، ثم إني سألت أهل العلم ، فأخبروني أن على ابني جلد مائة ، وتغريب عام ، وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله : أما غنمك وجاريتك ، فرد " إليك " ، وجلد ابنه مائة ، وغربه عاما ، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر ، فإن اعترفت رجمها ، فاعترفت ، [ ص: 292 ] فرجمها " .

                                                            3201 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا مالك ، فذكره بإسناده نحوه .

                                                            3202 - أخبرنا أبو زكريا بن إبراهيم ، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي ، أخبرنا عثمان بن سعيد ، أخبرنا القعنبي فيما قرأ على مالك ، وأخبرنا يحيى بن إبراهيم ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ، عن أبي واقد الليثي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتاه رجل ، وهو بالشام ، وفي رواية القعنبي رجل من أهل الشام ، فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلا ، فبعث عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي إلى امرأته يسألها عن ذلك ، فأتاها ، وعندها نسوة حولها ، فذكر لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب ، وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله ، وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنزع ، فأبت أن تنزع ، وثبتت على الاعتراف ، فأمر بها عمر بن الخطاب فرجمت " .

                                                            وفي رواية القعنبي : وتمت على الاعتراف .

                                                            3203 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي ، أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : قال عمر : " قد خشيت أن [ ص: 293 ] يطول بالناس زمان حتى يقول القائل : ما نجد الرجم في كتاب الله عز وجل ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله عز وجل ، ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل وقامت البينة ، أو كان الحمل ، أو الاعتراف ، فقد قرأناها : ( الشيخ ، والشيخة إذا زنيا ، فارجموهما البتة ) ، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجمنا بعده .

                                                            3204 - وروي عن أبي الزبير ، عن جابر أن رجلا زنا بامرأة ، فلم يعلم بإحصانه ، فجلد ، ثم علم بإحصانه ، فرجم " .

                                                            التالي السابق


                                                            الخدمات العلمية