الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            12 - باب كفارة القتل

                                                            قال الله عز وجل : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة .

                                                            3115 - قال الشافعي : قوله : فإن كان من قوم عدو لكم يعني : في قوم عدو لكم . [ ص: 261 ]

                                                            3116 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا محمد بن إسحاق الصغاني ، أخبرنا أبو الجواب ، أخبرنا عمار بن رزيق ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن أبي يحيى ، عن ابن عباس في قوله : فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة قال : كان الرجل يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيسلم ، ثم يرجع إلى قومه ، فيكون فيهم ، وهم مشركون ، فيصيبه المسلمون خطأ في سرية ، أو غزاة ، فيعتق الرجل رقبة ، وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة قال : يكون الرجل معاهدا ، وقومه أهل عهد ، فيسلم إليهم ديته ، وأعتق الذي أصابه رقبة .

                                                            وبمعناه رواه عكرمة ، وعلي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .

                                                            3117 - وأما الحديث الذي أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا أبو جعفر الرزاز ، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار ، أخبرنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن [جرير بن عبد الله ] قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم [ ص: 262 ] فاعتصم ناس منهم بالسجود ، فأسرع فيهم القتل ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمر لهم بنصف العقل ، وقال : إني بريء من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين ، قالوا : يا رسول الله ولم ؟ قال : " لا تتراءى ناراهما " .

                                                            وروي عن حفص بن غياث ، عن إسماعيل كذلك موصولا .

                                                            3118 - ورواه الشافعي ، عن مروان بن معاوية ، عن إسماعيل عن قيس قال : لجأ قوم إلى خثعم ، فلما غشيهم المسلمين استعصموا بالسجود . . . ، فذكره مرسلا .

                                                            3119 - قال الشافعي : إن كان هذا يثبت ، فأحسب النبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم ، أعطى من أعطى منهم متطوعا ، وأعلمهم أنه بريء من كل مسلم مع مشرك ، والله أعلم ، في دار شرك ليعلمهم أن لا ديات عليهم ، ولا قود .

                                                            3120 - قال الشافعي : ولو اختلطوا في القتال : فقتل بعض المسلمين بعضا ، فادعى القاتل أنه لم يعرف المقتول ، فالقول قوله مع يمينه ، ولا قود عليه ، وعليه الكفارة ، وتدفع إلى أولياء المقتول ديته .

                                                            3120 - وذكر حديث عروة بن الزبير من قتل المسلمين أبا حذيفة بن اليمان يوم أحد ، وهم لا يعرفونه ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم فيه بديته " .

                                                            وفي رواية محمود بن لبيد : " فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يديه ، فتصدق به [ ص: 263 ] حذيفة على المسلمين " .

                                                            3121 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا أبو عتبة ، أخبرنا ضمرة بن ربيعة ، عن إبراهيم بن أبي علية ، عن الغريف الديلمي ، قال : أتينا واثلة بن الأسقع . . ، فقلنا : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بينك وبينه أحد ، فقال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ح وأخبرنا أبو علي بن شاذان البغدادي بها ، أخبرنا عبد الله بن جعفر أخبرنا يعقوب بن سفيان ، أخبرنا أبو النعمان محمد بن الفضل ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، عن إبراهيم بن أبي علية ، عن العريف بن عياش ، عن واثلة بن الأسقع قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من بني سليم ، فقالوا : إن صاحبا لنا أوجب ، قال : " فليعتق رقبة يفدي الله بكل عضو منها عضوا منه من النار " . لفظ حديث ابن المبارك .

                                                            3122 - ورواه الحكم بن موسى ، عن ضمرة ، وقال فيه : قد أوجب النار بالقتل .

                                                            3123 - قال الشافعي : وليس في الفرق بين أن يرث قاتل الخطأ ، ولا يرث قاتل العمد حتى نتبع إلا خبر رجل ، فإنه يرفعه لو كان ثابتا كان الحجة فيه ، ولكنه لا يجوز أن يثبت له شيء ، ويرد له آخر لا معارض له ، وإنما أراد حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " فيمن قتل صاحبه عمدا لم يرث من ديته ، وماله شيئا ، وإن قتل صاحبه خطأ ورث من ماله ، ولم يرث من ديته " .

                                                            والشافعي المتوقف في روايته إذا لم ينضم إليها ما يؤكدها وهذه الرواية لم ينضم إليها ما يؤكدها والمشهور عن عمرو في هذا الحديث : لا يرث القاتل شيئا [ ص: 264 ] مطلقا .

                                                            3124 - كما روينا في حديث عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليس لقاتل شيء " .

                                                            3125 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي ، أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب كان يقول : الدية للعاقلة ، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه " أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها " .

                                                            3126 - ورواه الشافعي عن سفيان ، وزاد فيه : فرجع إليه عمر .

                                                            3127 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه ، أخبرنا محمد بن حيان ، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن الحارث ، أخبرنا شيبان ، أخبرنا محمد بن راشد ، أخبرنا سليمان بن موسى ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العقل ميراث بين ورثة القتيل على قرابتهم ، فما فضل فللعصبة " ، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئا إلا ما فضل عن ورثتها ، وإن قتلت ، فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس لقاتل شيء " فإن لم يكن له وارث يرثه [ ص: 265 ] أقرب الناس إليه ، ولا يرث القاتل شيئا .

                                                            3128 - أخبرنا أبو علي الروذباري ، أخبرنا أبو بكر بن داسة ، أخبرنا أبو داود ، قال : وجدت في كتابي عن شيبان ، فذكره .

                                                            3129 - وفي حديث المغيرة بن شعبة مرفوعا : " أن الدية بين الورثة ميراث على كتاب الله تعالى " .

                                                            التالي السابق


                                                            الخدمات العلمية