الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3834 ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا حماد ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي الطفيل ، عن ابن عباس : " أن رسول الله - عليه السلام - اعتمر من الجعرانة ، ، فرمل بالبيت ثلاثا ومشى أربعة أشواط" . .

                                                [ ص: 368 ] ففي هذا الحديث أن رسول الله - عليه السلام - رمل الأشواط كلها ، وقد كان في بعضها حيث يراه المشركون وفي بعضها حيث لا يرونه ، ففي رمله حيث لا يرونه دليل على أنه ليس من أجلهم رمل ، ولكن لمعنى آخر .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن ابن عباس ، حيث قال في حديثه : "فرمل بالبيت ثلاثا" .

                                                أخرجه بإسناد صحيح : عن ابن خزيمة ، عن حجاج بن منهال شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة .

                                                وأخرجه أبو داود : نا موسى بن إسماعيل ، قال : ثنا حماد ، قال : ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي الطفيل ، عن ابن عباس : "أن رسول الله - عليه السلام - وأصحابه اعتمروا من الجعرانة ، فرملوا بالبيت ثلاثا ، ومشوا أربعا" .

                                                وأخرجه ابن ماجه بنحوه .

                                                قوله : "ففي هذا الحديث . . . إلى آخره" بيانه أن في هذا الحديث : رمل في هذه الأشواط الثلاثة كلها يعني من الحجر إلى الحجر ، وقد كان في بعضها حيث يراه المشركون ، يعني من ناحية جبل قعيقعان لأنهم كانوا عليه ، وفي بعضها حيث لا يرونه ، يعني من ناحية ما بين الركن اليماني والحجر ؛ لأن الكعبة كانت تحجز بينه وبينهم ، ففي رمله في هذا الموضع دليل على أنه - عليه السلام - لم يكن رمل من أجلهم ، بل إنما رمل لمعنى آخر ، إذ لو كان رمله لأجلهم لكان يتركه حين يتوارى عنهم ، فعلم من ذلك أنه سنة لا تترك ، ومن هذا يخرج الجواب عما يقال : إن سبب الرمل ارتفع ، فينبغي أن يرتفع الحكم الدائر عليه ، ولئن سلمنا أن سبب الرمل كان لإظهار الجلادة وإبداء القوة للمشركين ، وأنه ارتفع ، فلا نسلم أن يرتفع الحكم بارتفاع السبب ؛ لأن بقاء السبب ليس بشرط لبقاء الحكم ، كالبيع والنكاح وغيرهما .

                                                [ ص: 369 ] أو نقول : رمل النبي - عليه السلام - في حجة الوداع دليل على أنه سنة مبتدأة ، فيجب علينا اتباعها وإن كنا لا نعقل معناه ، ألا ترى إلى ما قال عمر - رضي الله عنه - حين رمل في الطواف : "ما لي أهز كتفي وليس ها هنا أحد يراني ؛ لكن أتبع رسول الله - عليه السلام - ، أو قال : أمتثل ما فعل رسول الله - عليه السلام - " .




                                                الخدمات العلمية