الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3907 3908 [ ص: 449 ] ص: وقد أنكر قوم فسخ الحج ، وذكروا ما حدثنا أحمد بن داود ، قال : ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب ، قال : ثنا عبد الله بن رجاء ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : " خرجنا مع النبي - عليه السلام - حجاجا ، فما حللنا من شيء أحرمنا به حتى كان يوم النحر" . .

                                                فمن الحجة على من احتج بهذا : أن بكر بن عبد الله قد روى عن ابن عمر : " أن رسول الله - عليه السلام - وأصحابه قدموا مكة ملبين بالحج ، فقال : من شاء أن يجعلها عمرة فليفعل ، إلا من كان معه الهدي" .

                                                وقد ذكرنا ذلك بإسناده في هذا الباب .

                                                ففي هذا أن رسول الله - عليه السلام - جعل لهم أن يحلوا إن شاءوا إلا أنه عزم عليهم بذلك ، فيجوز أن يكونوا لم يحلوا وقد كان لهم أن يحلوا ، فقد عاد ذلك في فسخ الحج لمن شاء أن يفسخه إلى عمرة .

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بالقوم هؤلاء طائفة من أهل الحديث ؛ فإنهم أنكروا فسخ الحج في العمرة ، واستدلوا على ذلك بحديث ابن عمر - رضي الله عنه - أخرجه عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني ، عن يعقوب بن حميد بن كاسب المدني شيخ ابن ماجه ، فيه مقال ؛ فعن يحيى : ليس بشيء ، وعنه : ليس بثقة . وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث . وقال أبو زرعة : كان صدوقا . وقال ابن حبان : ثقة .

                                                عن عبد الله بن رجاء الغداني شيخ البخاري ، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، روى له الجماعة ، عن نافع ، عن ابن عمر .

                                                وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" : عن زهير ، عن عبد الله بن مسلمة ، عن عبيد الله ، عن نافع نحوه .

                                                وجه استدلالهم به أنه يدل على أنهم لم يحلوا بعد الطواف بالبيت ولم يفسخوا حجهم في عمرة ، وأجاب عنه الطحاوي بقوله : "فمن الحجة على من احتج بهذا . . . " إلى آخره .

                                                [ ص: 450 ] بيانه : أن بكر بن عبد الله المزني روى عن عبد الله بن عمر : "أن رسول الله - عليه السلام - وأصحابه قدموا مكة ملبين . . . . الحديث" .

                                                أخرجه بإسناد صحيح في هذا الباب ، عن محمد بن خزيمة ، عن حجاج ، عن حماد ، عن حميد ، عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر - رضي الله عنهما - .

                                                وهذا يدل على أنه - عليه السلام - أباح لهم أن يحلوا إن شاءوا الإحلال ولم يعزم عليهم ذلك ، فيجوز أن يكونوا لم يحلوا مع كون الإحلال جائزا لهم ، فيصير هذا فسخ الحج في العمرة لمن شاء أن يفسخه .

                                                والحاصل أنه يفهم من ذلك جواز فسخ الحج في العمرة لهم ، وإن كانوا لم يفعلوا ذلك لأنه - عليه السلام - خيرهم فيه ، فكان لهم أن يفعلوا وكان لهم أن يتركوا لأنه لم يعزم عليهم ، فثبت بذلك الفسخ ، على أن الظاهرية ادعوا أنه - عليه السلام - عزم به عليهم ، حتى قالوا : إن الفسخ واجب إلى الآن ولم ينسخ حكمه .

                                                ونحن نقول : الفسخ كان مباحا لهم ولكنه انتسخ بما ذكرناه . والله أعلم .

                                                قوله : "لا أنه عزم عليهم" أي لا أنه فرض عليهم الإحلال بعد الطواف بالبيت .




                                                الخدمات العلمية