الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3932 3933 3934 3935 3936 3937 3938 3939 3940 3941 ص: فإن قال قائل : فقد صح عن ابن عمر من قوله في القارن أنه يطوف لعمرته وحجته طوافا واحدا فإلى قول من تخالفون قوله في ذلك ؟ قيل له : إلى قول علي وعبد الله - رضي الله عنهما - :

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، - أو مالك - بن الحارث ، عن أبي نصر ، قال : "أهللت بالحج ، فأدركت عليا ، - رضي الله عنه - فقلت له : إني أهللت بالحج فأستطيع أن أضيف إليه عمرة ؟ قال : لا ، لو كنت أهللت بالعمرة ثم [ ص: 487 ] أردت أن تضم إليها الحج ، ضممته ، قال : قلت : كيف أصنع إذا أردت ذلك ؟ قال : تصب عليك إداوة من ماء ، ثم تحرم بهما جميعا ، وتطوف لكل واحدة منهما طوافا" .

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا شعبة ، قال : أخبرني منصور ، عن مالك بن الحارث ، عن أبي نصر السلمي ، عن علي مثله .

                                                قال أبو داود : قال قيس : قال منصور ، فذكرت ذلك لمجاهد ، فقال : "ما كنا نفتي الناس إلا بطواف واحد ، فأما الآن فلا" .

                                                حدثنا محمد بن الحجاج ، قال : ثنا الخصيب ، قال : ثنا يزيد ، عن عطاء ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ومالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن أذينة ، قال : "سألت عليا - رضي الله عنه - . . . " فذكر مثله .

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن سليمان ، فذكر بإسناده مثله .

                                                حدثنا محمد بن [خزيمة] ، قال ثنا حجاج ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن مالك ، عن أبي نصر ، مثله .

                                                قال منصور : فذكرت ذلك لمجاهد ، فقال : "ما كنت أفتي الناس إلا بطواف واحد فأما الآن فلا" .

                                                حدثنا ابن أبي عمران ، قال : ثنا شجاع بن مخلد (ح). .

                                                وحدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : ثنا سعيد بن منصور ، قالا : ثنا هشيم ، عن منصور بن زاذان ، عن الحكم ، عن زياد بن مالك ، عن علي وعبد الله - رضي الله عنهما - قالا : " القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين" . ) .

                                                فهذا علي 5 وعبد الله قد ذهبا في طواف القارن إلى خلاف ما ذهب إليه ابن عمر - رضي الله عنهما - .

                                                [ ص: 488 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 488 ] ش: تقرير السؤال أن يقال : قد صح عن عبد الله بن عمر من قوله في القارن أنه يطوف لعمرته وحجته طوافا واحدا . وقد أخرج البخاري ومسلم في حديث طويل أن ابن عمر كان يقول : "من جمع بين الحج والعمرة كفاه طواف واحد" .

                                                قوله : "فإلى قول من تخالفون قوله في ذلك" . أي تخالفون قول ابن عمر فيما قاله ذاهبين إلى قول من من الصحابة - رضي الله عنهم - ؟ .

                                                فأجاب بقوله : "قيل له : إلى قول علي وعبد الله " ، أي قيل لهذا القائل : نخالف قوله إلى قول علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود في قولهما أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين ، وكذلك وافق عليا في هذا ابناه الحسن والحسين ، وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - قاله ابن عبد البر ، وكذلك وافق عليا عمران بن حصين .

                                                قال الدارقطني : ثنا أبو محمد بن صاعد إملاء ، ثنا محمد بن يحيى الأزدي ، ثنا عبد الله بن داود ، عن شعبة ، عن حميد بن هلال ، عن مطرف ، عن عمران بن حصين : "أن النبي - عليه السلام - طاف طوافين وسعى سعيين" .

                                                قوله : "حدثنا يونس . . . إلى آخره" بيان لما ذهب إليه علي وعبد الله - رضي الله عنها - .

                                                وأخرجه من سبع طرق :

                                                الأول : عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم ، عن سفيان بن عيينة ، عن منصور بن المعتمر ، عن إبراهيم النخعي أو عن مالك بن الحارث السلمي الكوفي ، وثقه يحيى وابن حبان ، وروى له البخاري في الأدب ، ومسلم وأبو داود والنسائي .

                                                عن أبي نصر السلمي وهو بالنون والصاد المهملة ، وقال ابن ماكولا : الأشهر فيه بالضاد المعجمة ، وفي "التكميل" : أبو نصر هذا غير معروف ، وقال الدارقطني والبيهقي : مجهول .

                                                [ ص: 489 ] وأخرجه الدارقطني في "سننه" : ثنا أبو محمد بن صاعد ، ثنا محمد بن زنبور ، ثنا فضيل بن عياض - عن منصور ، عن إبراهيم ، عن مالك بن الحارث - أو منصور ، عن مالك بن الحارث - عن أبي نصر قال : "لقيت عليا - رضي الله عنه - وقد أهللت بالحج ، وأهل هو بالحج والعمرة ، فقلت : هل أستطيع أن أفعل كما فعلت ؟ قال : ذلك لو كنت بدأت بالعمرة . فقلت : كيف أفعل إذا أردت ذلك ؟ قال : تأخذ إداوة من ماء فتفيضها عليك ثم تهل بهما جميعا ، ثم تطوف لهما طوافين وتسعى لهما سعيين ، ولا يحل لك حرام دون يوم النحر ، قال منصور : [فذكرت] ، ذلك لمجاهد ، [قال] : ما كنا نفتي إلا بطواف واحد ، فأما الآن فلا نفعل" .

                                                الثاني : عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة بن الحجاج ، عن منصور بن المعتمر ، عن مالك بن الحارث السلمي ، عن أبي نصر السلمي ، عن علي - رضي الله عنه - مثله .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" : من طريق الدارقطني نحو ما ذكره .

                                                الثالث : عن محمد بن حجاج بن سليمان الحضرمي ، عن الخصيب بن ناصح البصري نزيل مصر ، عن يزيد بن عطاء بن يزيد الكندي السلمي الواسطي البزار مولى أبي عوانة من فوق ، فيه مقال ، فعن يحيى : ليس بشيء ، وعنه : ضعيف . وقال ابن حبان : ساء حفظه حتى كان يقلب الأسانيد ، ويروي عن الثقات ما ليس من حديث الأثبات ، فلا يجوز الاحتجاج به . روى له البخاري في "أفعال العباد" ، وأبو داود .

                                                عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم النخعي ومالك بن الحارث كلاهما عن عبد الرحمن بن أذينة بن سلمة العبدي الكوفي قاضي البصرة ، وثقه أبو داود وابن حبان ، وروى له ابن ماجه حديثا واحدا قال : "سألت عليا - رضي الله عنه - . . . " .

                                                [ ص: 490 ] وأخرجه أبو عمر في "التمهيد" نحوه .

                                                الرابع : عن محمد بن خزيمة بن راشد ، عن حجاج بن منهال شيخ البخاري ، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري ، عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم ومالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن أذينة ، عن علي نحوه .

                                                الخامس : عن محمد بن خزيمة أيضا ، عن حجاج بن منهال ، عن أبي عوانة الوضاح ، عن منصور بن المعتمر ، عن إبراهيم النخعي ، عن مالك بن الحارث ، عن أبي نصر السلمي ، عن علي نحوه .

                                                السادس : عن أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي ، عن شجاع بن مخلد الفلاس البغوي شيخ مسلم وأبي داود وابن ماجه ، عن هشيم بن بشير ، عن منصور بن زاذان ، عن الحكم بن عتيبة ، عن زياد بن مالك ، وثقه ابن حبان وقال : يروي عن ابن مسعود : "القارن يطوف طوافين" ولم يسمعه منه ، وفي "الميزان" : زياد بن مالك عن أبي مسعود ليس بحجة ، وقال البخاري : لا نعرف له سماعا من عبد الله ولا سماع الحكم منه .

                                                وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" : نا هشيم ، عن منصور بن زاذان ، عن الحكم ، عن زياد بن مالك : "أن عليا وابن مسعود قالا في القارن : يطوف طوافين" .

                                                السابع : عن صالح بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم ، عن هشيم . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه ابن حزم في "المحلى" وقال : وروينا من طريق منصور بن زاذان ، عن زياد بن مالك ، ومن طريق سفيان ، عن أبي إسحاق السبيعي ، كلاهما عن ابن مسعود قال : "على القارن طوافان وسعيان" .

                                                [ ص: 491 ] وقال أيضا : وروينا من طريق منصور بن زاذان ، عن الحكم بن عتيبة ، ومن طريق ابن سمعان ، عن ابن شبرمة ، كلاهما عن علي نحوه .

                                                فإن قيل : كيف تستدلون بهذا الأثر وفي سنده أبو نصر ويزيد بن عطاء ، وقد ذكرنا ما قيل فيهما ؟ ! . وزياد بن مالك وإن كان وثقه ابن حبان فقد قالوا فيه ما ذكرناه .

                                                قلت : الطريق الرابع إسناده صحيح ورجاله ثقات كما ذكرنا ؛ لأن حجاجا وأبا عوانة والأعمش وإبراهيم من رجال الجماعة ، ومالك بن الحارث من رجال مسلم ، وابن أذينة وثقه أبو داود وابن حبان ، وابن خزيمة وثقه ابن يونس وغيره .

                                                وكذلك الطريق السادس والسابع رجالهما ثقات ، ودعوى عدم سماع زياد بن مالك [من] ابن مسعود مجرد دعوى لا برهان عليها ، وبقية الطرق تشد وتعضد بهذه الطرق الثلاثة .




                                                الخدمات العلمية