الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3701 ص: فإن قال قائل : فكيف تقبلون هذا عن ابن عباس وقد رويتم عنه في الفصل الأول أن رسول الله - عليه السلام - تمتع ؟ قيل له : قد يجوز أن يكون رسول الله - عليه السلام - أحرم في بدء أمره بعمرة فمضى فيها متمتعا بها ؟ ثم أحرم بحجة قبل طوافه فكان في بدء أمره متمتعا وفي آخره قارنا ، فأخبر ابن عباس في الحديث الأول بتمتع رسول الله - عليه السلام - لينفي قول من كره المتعة ، ، وأخبر في هذا الحديث الثاني بقرانه على ما كان صار إليه أمره بعد إحرامه بالحجة ، فثبت بذلك أن رسول الله - عليه السلام - قد كان في حجة الوداع متمتعا بعد إحرامه بالعمرة إلى أن أحرم بالحجة فصار بذلك قارنا .

                                                [ ص: 216 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 216 ] ش: تقرير السؤال أن يكون : كيف تقبلون هذا الحديث وهو قوله : "اعتمر رسول الله . . . " إلى آخره . والحال أنكم قد رويتم عنه أي عن ابن عباس في الفصل الأول أنه - عليه السلام - تمتع وبين الروايتين منافاة ؟ والجواب ظاهر وفهم من كلامه ، أن من أحرم بعمرة لأجل التمتع إذا أحرم قبل طوافه للعمرة وأن ذلك يجوز ، وإذا أحرم بحجة بعد طوافه للعمرة لا يكون قارنا بل يكون متمتعا وظهر من هذا أيضا أن من ذهب إلى أن النبي - عليه السلام - كان متمتعا في حجته كان معناه بالنظر إلى بداية أمره ومن ذهب إلى أنه كان قارنا كان معناه بالنظر إلى نهاية أمره ؛ لأنه - عليه السلام - لما أحرم بالحجة بعد إحرامه للعمرة قبل الطواف صار قارنا لما قلنا ، والاعتبار لخاتمة الأعمال ، فلذلك ذهب الكوفيون أنه - عليه السلام - كان قارنا في حجته حتى قال أحمد بن حنبل : لا شك أنه - عليه السلام - كان قارنا والمتعة أحب إلي ، فقال ابن جرير الطبري : إن جملة الحال له أنه لم يكن متمتعا ؛ لأنه قال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة ، ولا كان مفردا لأن الهدي كان معه واجبا كما قال وذلك لا يكون إلا للقارن ، ولأن الروايات الصحيحة تواترت بأنه قرنهما جميعا ، فكان من زاد أولى ، ووجه الاختلاف : أن النبي - عليه السلام - لما كان عند الإحرام جعل يلبي تارة بالحج وتارة بالعمرة وتارة بهما جميعا ثم إن الذين رووا الإفراد اختلف عنهم ومن روى القران لم يختلف عليه فالأخذ بقول من لم يختلف عليه أولى ، ولأن معه زيادة وهي مقبولة من الثقة والله أعلم .




                                                الخدمات العلمية