الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3707 3708 3709 3710 ص: وقد حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : ثنا علي بن معبد ، قال ثنا : إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - عليه السلام - : " أنه لبى بعمرة وحجة ، [وقال : لبيك بعمرة وحجة] ، . فذكر بكر بن عبد الله المزني لابن عمر قول أنس قال : وهل أنس ، إنما أهل رسول الله - عليه السلام - بالحج وأهللنا به معه فلما قدمنا مكة قال : من لم يكن معه هدي فليحل ، قال بكر : : فرجعت إلى أنس فأخبرته بقول ابن عمر ، فلم يزل يذكر ذلك حتى مات" .

                                                حدثنا حسين بن نصر ، قال : ثنا أحمد بن يونس ، قال : ثنا زهير بن معاوية ، قال : ثنا حميد ، قال : وحدثني بكر بن عبد الله ، عن أنس مثله .

                                                قال بكر : " : فذكرت ذلك لابن عمر ، فقال : وهل أنس إنما أهل رسول الله - عليه السلام - بالحج وأهللنا به" . .

                                                حدثنا حسين - هو ابن نصر - قال : سمعت يزيد بن هارون ، قال : ثنا حميد . . . ، فذكر مثله بإسناده وزاد : " فلما قدم رسول الله - عليه السلام - قال : من لم يكن معه هدي فليحل ، وكان مع رسول الله - عليه السلام - هدي فلم يحل" .

                                                [ ص: 224 ] حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا حماد ، عن حميد ، عن بكر قال : "أخبرت ابن عمر بقول أنس فقال : نسي أنس فلما رجع قال بكر لأنس : : إن ابن عمر يقول : نسي فقال : إن تعدونا إلا صبيانا ، بل سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : لبيك بعمرة وحجة معا" .

                                                أفلا ترى أن ابن عمر إنما أنكر على أنس قوله : إن رسول الله - عليه السلام - أهل بهما جميعا ، وإنما كان الأمر عند ابن عمر أن رسول الله - عليه السلام - أهل بحجة ثم صيرها عمرة بعد ذلك وأضاف إليها حجة فصار حينئذ قارنا ، فأما في بدء إحرامه فإنه كان عنده مفردا .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه أربع طرق صحاح : عن أنس - رضي الله عنه - يخبر فيها أن رسول الله - عليه السلام - كان قارنا ، ذكرها ها هنا ليبين أن إنكار عبد الله بن عمر على أنس فيه إنما كان على قوله : إنه - عليه السلام - أهل بالعمرة والحج جميعا ، لا على أنه أنكر عليه القران ، فإن الحكم عند ابن عمر أنه - عليه السلام - أهل بحجة وحدها ثم صيرها عمرة ثم أضاف إليها حجة فصار في ذلك الوقت قارنا لا من أول الأمر ؛ لأنه كان في أول الأمر عنده مفردا وبهذا يحصل التوفيق بين كلامي أنس وابن عمر - رضي الله عنهم - .

                                                والتحقيق فيه أن ابن عمر - رضي الله عنهما - لم يكن وقف على حقيقة أمر الرسول - عليه السلام - في بدء الأمر فلذلك أنكر على أنس ، وأنس - رضي الله عنه - فممن وقف على حقيقة الأمر حيث قال بالتصريح : سمعت رسول الله - عليه السلام - أهل بهما جميعا" ، فإن قيل : قد قال البيهقي : يحتمل أن يكون سمع النبي - عليه السلام - يعلم غيره كيف يهل بالقران لا أن يهل بهما عن نفسه ، قلت : ذكر ابن حزم في "حجة الوداع" أن ستة عشر من الثقات اتفقوا على أنس ، على أن لفظ النبي - عليه السلام - كان إهلالا بحجة وعمرة معا وصرحوا عن أنس أنه سمع ذلك منه - عليه السلام - والقول بأنه يحتمل . . . . إلى آخره . رد للحديث الصريح بمجرد احتمال بعيد يمكن أن يقال في رواية من روى أنه - عليه السلام - أفرد أو تمتع وكيف يصلح ذلك مع قوله : سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : لبيك بعمرة وحجة معا ؟ ! فإن قيل : إنما رد ابن عمر على أنس قوله : أهل رسول الله - عليه السلام - بحج وعمرة لأجل صغر [ ص: 225 ] أنس حينئذ وقلة ضبطه ألا ترى إلى ما روى البيهقي : من حديث سعيد بن عبد العزيز عن زيد بن أسلم وغيره : "أن رجلا أتى ابن عمر فقال بم أهل رسول الله - عليه السلام - ؟ قال : بالحج فانصرف ، ثم أتاه في العام القابل فقال : بم أهل رسول الله - عليه السلام - ؟ قال : ألم تأتني عام أول ؟ ! قال : بلى ولكن أنس يزعم أنه قرن ، قال : إن أنسا كان يدخل على النساء وهن مكشفات الرءوس ، وإني كنت تحت ناقة رسول الله - عليه السلام - يمسني لعابها اسمعه يلبي بالحج" .

                                                وأخرجه الطرطوشي في كتاب "الحج" ولفظه : "كان أنس صغيرا يتولج على النساء وهن مكشفات لا يستترن منه لصغره ، وأنا آخذ بزمام ناقة النبي - عليه السلام - يمسني لعابها - وفي لفظ يسيل علي لعابها - سمعته يهل بالحج مفردا وأهللنا مع النبي - عليه السلام - بالحج خالصا لا يشوبه شيء" فقلت : هذا فيه نظر ؛ لأن حجة الوداع كانت وسن أنس - رضي الله عنه - نحو العشرين فكيف يدخل على النساء وقد جاء في الصحيح أنه منع من الدخول عليهن حين بلغ خمس عشرة سنة ، وذلك قبل الحجة بنحو خمس سنين ؟ ! وأيضا مكان سنه نحو سن ابن عمر ولعله لا يكون بينهما إلا نحو من سنة أو دونها ، ولئن سلمنا ذلك فيجاب بما ذكره الطحاوي ، وبما ذكرنا يرد كلام ابن بطال أيضا حيث يقول : وما يدل على قلة ضبط أنس قوله في الحديث : "فلما قدمنا ، أمر النبي - عليه السلام - فحلوا حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج" وهذا لا معنى له ولا يفهم أن النبي - عليه السلام - قارنا كان كما قال والأئمة متفقة على أن القارن لا يجوز له الإحلال حتى يفرغ من عمل الحج كله ؛ فلذلك أنكر عليه ابن عمر وإنما حل من كان أفرد الحج وفسخه في عمرة ثم تمتع .

                                                الطريق الأول : عن نصر بن مرزوق عن علي بن معبد بن شداد العبدي الكوفي الرقي نزيل مصر ، وثقه أبو حاتم ، عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المدني ، روى له الجماعة ، عن حميد الطويل عن أنس - رضي الله عنه - .

                                                [ ص: 226 ] وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" : أخبرنا الحسين بن سفيان الشيباني قال : نا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال : ثنا أبو ضمرة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : "سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : لبيك بعمرة وحجة ، قال حدثني بكر بن عبد الله المزني أنه ذكر حديث أنس بن مالك لابن عمر فقال : وهل أنس ، أفرد رسول الله - عليه السلام - الحج ، قال : فذكرت قول ابن عمر لأنس بن مالك فقال ما يحسب ابن عمر إلا أنا صبيان" .

                                                قوله : "وهل" بفتح الواو وكسر الهاء يقال : "وهل في الشيء وعن الشيء يوهل وهلا إذا غلط فيه وسهى وأما "وهل إليه" بالفتح فمعناه ذهب وعمد إليه وهو يريد غيره .

                                                الثاني : عن حسين بن نصر بن المعارك عن أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ البخاري ومسلم وأبي داود عن زهير بن معاوية عن حميد الطويل .

                                                وعن بكر بن عبد الله المزني عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - .

                                                وأخرج البخاري نحوه .

                                                الثالث : عن حسين أيضا . . . إلى آخره .

                                                الرابع : عن محمد بن خزيمة عن حجاج بن المنهال شيخ البخاري عن حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه مسلم : نا شريح بن يونس قال : ثنا هشيم قال : ثنا حميد عن بكر عن أنس قال : " سمعت النبي يلبي بالحج والعمرة جميعا ، قال بكر : فحدثت بذلك ابن عمر - رضي الله عنهما - ، فقال : لبى بالحج وحده ، فلقيت أنسا فحدثته بقول ابن عمر فقال أنس : ما تعدوننا إلا صبيانا سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول لبيك بعمرة وحج" .




                                                الخدمات العلمية