الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3656 3657 ص: حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب ، أنه حدثه : "أنه سمع سعد بن أبي وقاص ، والضحاك بن قيس ، عام حجة معاوية بن أبي سفيان ، وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج ، . فقال الضحاك : : ( لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله تعالى ، فقال سعد : : ( بئس ما قلت يا ابن أخي ، فقال الضحاك : : ( فإن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نهى عن ذلك ، فقال سعد : قد صنعها رسول الله - عليه السلام - فصنعاها معه" .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا بشر بن عمر ، قال : ثنا مالك . . . ، فذكره بإسناد مثله .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا طريقان رجالهما رجال الصحيح كلهم ما خلا ابن مرزوق .

                                                وأخرجه النسائي والترمذي : كلاهما عن قتيبة عن مالك نحوه .

                                                قوله : "لا يصنع ذلك" أي التمتع إلا من لم يدر أمر الله تعالى .

                                                قوله : "فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك" أي عن التمتع ، زعم جماعة من العلماء أن المتعة التي نهى عنها عمر - رضي الله عنه - وضرب عليها هي فسخ الحج إلى العمرة ، فأما التمتع بالعمرة إلى الحج فلا .

                                                [ ص: 171 ] وزعم آخرون أنه إنما نهى عمر عنها لينتجع البيت مرتين أو أكثر في العام ، وقال آخرون : إنما نهى عنها لأنه رأى الناس مالوا إلى التمتع ليسارته وخفته ، فخشي أن يضيع الإفراد والقران ، وهما سنتان للنبي - عليه السلام - ، وسئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها ، فقيل له : إنك لتخالف أباك ، فقال ابن عمر : لم يقل الذي تقولون ، إنما قال : أفردوا الحج والعمرة ، فإنه أتم للعمرة . أي أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي ، وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحج ، فجعلتموها أنتم حراما وعاقبتم الناس عليها ، وقد أحلها الله ، وعمل بها رسول الله - عليه السلام - ، فإذا أكثروا عليه [قال : ] كتاب الله بيني وبينكم ، كتاب الله أحق أن يتبع أم عمر - رضي الله عنه - ؟ !

                                                قوله : "قد صنعها رسول الله - عليه السلام - " أي قد صنع رسول الله المتعة بالعمرة إلى الحج ، واستدلت به أهل المقالة الثانية على أن التمتع أفضل من الإفراد والقران ، وقال أبو عمر : أما قول سعد : "قد صنعها رسول الله - عليه السلام - فصنعناها معه" فليس فيه دليل على أن رسول الله - عليه السلام - تمتع ، لأن رسول الله - عليه السلام - أفرد الحج ، ويحتمل أن يكون قوله : (صنعناها مع) رسول الله - عليه السلام - يعني أذن بها وأباحها وإذا أمر الرئيس بالشيء جاز أن يضاف ذلك إليه ، كما يقال : رجم رسول الله - عليه السلام - في الزنا ، وقطع في السرقة ونحو هذا ، ومن هذا المعنى قوله : ونادى فرعون في قومه أي أمر فنودي فافهم .

                                                وفي "شرح الموطأ" لأبي حسن الأشبيلي : ولا يصح عندي أن يكون - عليه السلام - متمتعا إلا تمتع قران ، لأنه لا خلاف أنه - عليه السلام - لم يحل من عمرته حتى أمر أصحابه أن يحلوا ويفسخوا حجهم في عمرة ، وأنه قد أقام محرما من أجل هديه إلى يوم النحر ، وهذا حكم القارن لا المتمتع ، ثم إن فسخ الحج في العمرة خص به أصحاب رسول الله - عليه السلام - فلا يجوز اليوم أن يفعل ذلك عند أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم ، لقوله [ ص: 172 ] تعالى : وأتموا الحج يعني لمن دخل فيه ، وما أعلم من الصحابة من يجيز ذلك إلا ابن عباس وتابعه أحمد وداود دون سائر الفقهاء ولكنهم على أن فسخ الحج في العمرة خص به أصحاب رسول الله - عليه السلام - .




                                                الخدمات العلمية