الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3861 ص: وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : لا حجة لكم في هذه الآثار ؛ لأن ما أباح رسول الله - عليه السلام - فيها ، وأمر بني عبد مناف أن لا يمنعوا أحدا منه من الطواف والصلاة هو الطواف على سبيل ما ينبغي أن يطاف ، والصلاة على سبيل ما ينبغي أن تصلى ، فأما على ما سوى ذلك فلا ، أفلا ترى أن رجلا لو طاف بالبيت عريانا أو على غير وضوء أو جنبا ، أن عليهم أن يمنعون من ذلك ؟ لأنه طاف على غير ما ينبغي الطواف عليه ، وليس ذلك بداخل فيما أمرهم رسول الله - عليه السلام - ألا يمنعوا منه من الطواف ، . فكذلك قوله : "لا تمنعوا أحدا يصلي" هو على ما أمر أن يصلي عليه من الطهارة وستر العورة ، واستقبال القبلة في الأوقات التي أبيحت الصلاة فيها ، فأما ما [ ص: 400 ] سوى ذلك فلا ، وقد نهى رسول الله - عليه السلام - نهيا عاما عن الصلاة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، ونصف النهار ، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغيب الشمس ، وتواترت بذلك الآثار عن رسول الله - عليه السلام - وقد ذكرت ذلك بأسانيده في غير هذا الموضع من هذا الكتاب .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون ، وأراد بهم : مجاهدا وسعيد بن جبير ، والحسن البصري والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا ومالكا ؛ فإنهم كرهوا الصلاة للطواف بعد العصر حتى تغرب الشمس ، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس .

                                                قوله : "فقالوا" أي هؤلاء الآخرون ، وأراد به نفي صحة استدلال القوم المذكورين بهذه الآثار المذكورة عن ابن عباس وجبير بن مطعم - رضي الله عنهم - ، بيانه : أن المراد من هذه الآثار هو إباحة رسول الله - عليه السلام - الطواف والصلاة إذا وقعا على سبيل ما ينبغي وقوعهما ، وليس المراد إباحتهما مطلقا ، وكيف يراد الإطلاق وقد نهى رسول الله - عليه السلام - نهيا عاما عن الصلاة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند استوائها ، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب ، وقد مضى ذكر هذا عن ابن عباس وغيره في باب : الركعتين بعد العصر .

                                                قوله : "وتواترت بذلك الآثار" أي بالنهي عن الصلاة في هذه الأوقات ، وأراد بالتواتر التكاثر والتظاهر ، ولقد ذكرنا هناك أن تسعة عشر من الصحابة - رضي الله عنهم - قد أخرجوا في كراهة الصلاة بعد العصر وبعد الصبح ، وقد أجاب بعضهم عن الحديث المذكور بأنه محمول على الدعاء لا الصلاة الحقيقية ، وهو بعيد .

                                                وقال آخرون : هو محمول على غير أوقات النهي ؛ لأن هذا عام في الإباحة وحديث النهي خاص في التحريم ، فيحمل على ما عداه ، ولأن الإباحة والتحريم إذا اجتمعا عمل بالتحريم ؛ لأنه الأحوط في الدين .

                                                [ ص: 401 ] فإن قيل : ما تقول فيما أخرجه الدارقطني ثم البيهقي من حديث عبد الله بن المؤمل ، عن جعفر مولى عفراء ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد ، عن أبي ذر ، سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : "لا يصلين أحد بعد الصبح إلى طلوع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا بمكة يقول ذلك ثلاثا ؟ " .

                                                قلت : قال صاحب "البدائع" : هذا خبر شاذ فلا يعارض الخبر المشهور .

                                                وقلت أنا : ابن المؤمل ضعيف ، وجعفر الأعرج ليس بالقوي ، ومجاهد لا يثبت له سماع من أبي ذر .




                                                الخدمات العلمية