الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3653 3654 ص: وذكروا في ذلك ما حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا وهب بن جرير ، قال : ثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن المسيب قال : اجتمع علي وعثمان - رضي الله عنهما - بعسفان وعثمان ينهى عن المتعة ، . فقال له علي : - رضي الله عنه - : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله - عليه السلام - تنهى عنه ؟ فقال : دعنا منك . فقال : إني لا أستطيع أن أدعك ، ثم أهل علي بن طالب بهما جميعا" . .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي ذكر هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه من أن التمتع أفضل ما رواه سعيد بن المسيب ، وأخرجه بإسناد صحيح .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا قتيبة بن سعيد ] ، ثنا حجاج بن محمد الأعور ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن المسيب قال : "اختلف علي وعثمان وهما [ ص: 168 ] بعسفان في المتعة ، فقال علي - رضي الله عنه - : ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله - عليه السلام - ، فلما رأى ذلك علي منه أهل بهما جميعا" .

                                                قوله : "بعسفان" أي في عسفان ، والباء للظرفية و "عسفان" بضم العين وسكون السين المهملتين : قرية جامعة بها منبر على ستة وثلاثين ميلا من مكة شرفها الله وقد مر الكلام فيه في كتاب الصوم .

                                                قوله : "ثم أهل علي بهما جميعا" أي ثم أحرم علي بالعمرة والحج جميعا ، وهذا هو عين القران ، وذلك لأن من وجوه التمتع أن يتمتع الرجل بالعمرة إلى الحج ، وهو أن يجمع بينهما فيهل بهما في أشهر الحج أو غيرها ، يقول : لبيك بعمرة وحجة معا وهذا هو القران ، وإنما جعل القران من باب التمتع لأن القارن يتمتع بترك النصب في السفر إلى العمرة مرة وإلى الحج أخرى ويتمتع بجمعهما ولم يحرم لكل واحدة من مكانه ، وضم الحج إلى العمرة يدخل تحت قوله تعالى : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي وهذا وجه من التمتع لا خلاف بين أهل العلم في جوازه ، وأهل المدينة لا يجيزون الجمع بين العمرة والحج إلا بسياق الهدي وهو عندهم بدنة لا يجوز دونها ، ومما يدل على أن القران تمتع : قول عمر - رضي الله عنه - : "إنما جعل القران لأهل الآفاق ، وتلا قول الله - عز وجل - : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " فمن كان من حاضري المسجد الحرام وتمتع أو قرن لم يكن عليه دم قران ولا تمتع .

                                                وقال أبو عمر : التمتع بالعمرة إلى الحج على أربعة أوجه ، منها وجه واحد مجتمع عليه ، والأوجه الثلاثة مختلف فيها .

                                                فأما الوجه المجتمع عليه فهو التمتع المراد بقول الله - عز وجل - : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي وذلك أن يحرم الرجل بعمرة في أشهر الحج وهي شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة وقيل : ذو الحجة كله . فإذا أحرم أحد [ ص: 169 ] بعمرة في أشهر الحج وكان مسكنه من وراء الميقات من أهل الآفاق ، ولم يكن من حاضري المسجد الحرام ثم أقام حلالا بمكة إلى أن الحج منها في عامه ذلك قبل رجوعه إلى بلده ، أو قبل خروجه إلى ميقات أهل ناحيته فهو متمتع بالعمرة إلى الحج ، وعليه ما أوجب الله على من تمتع بالعمرة إلى الحج ، وذلك ما استيسر من الهدي ، وقد قيل : إن هذا الوجه هو الذي روي عن عمر بن الخطاب وابن مسعود كراهيته ، أو قال أحدهما : يأتي أحدكم منى وذكره يقطر منيا ؟ ! .

                                                وقد أجمع المسلمون على جواز هذا ، وقد قال جماعة من العلماء : إنما كرهه عمر لأنه أحب أن يزار البيت في العام مرتين : مرة للحج ، ومرة للعمرة ، ورأى الإفراد أفضل ، فكان يأمر به ويميل إليه وينهى عن غيره استحبابا ، ولذلك قال : افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم .

                                                وأما الوجه الثاني : فهو القران ، وهو الذي ذكرناه آنفا ، وذلك لأن القارن يتمتع بسقوط سفره الثاني ، فالقران والتمتع يتفقان في هذا المعنى ويتفقان عند أكثر العلماء في الهدي ، والصيام لمن لم يجد .

                                                وأما الوجه الثالث : فهو فسخ الحج في عمرة ، وجمهور العلماء يكرهونه وسيأتي الكلام فيه .

                                                وأما الوجه الرابع : فهو ما قاله ابن الزبير وهو يخطب : أيها الناس ، إنه والله ليس المتمتع بالحج إلى العمرة ما تصنعون ، ولكن المتمتع بالعمرة إلى الحج أن يخرج الرجل حاجا فيحبسه عدو أو أمر يعذر به حتى تذهب أيام الحج ، فيأتي البيت فيطوف ويسعى ويحل ثم يتمتع بحله إلى العام المقبل ثم يحج ويهدي .




                                                الخدمات العلمية