الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3841 3842 3843 3844 [ ص: 376 ] ص: وقد فعل ذلك أيضا أصحاب رسول الله - عليه السلام - من بعده :

                                                حدثنا فهد ، قال : ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر ، - رضي الله عنه - قال : "فيم الرملان الآن والكشف عن المناكب وقد نفى الله - عز وجل - الشرك وأهله ؟ ! ، ومع ذلك لا ندع شيئا عملناه مع رسول الله - عليه السلام - " .

                                                حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن يعلى بن أمية ، قال : "لما حج عمر - رضي الله عنه - رمل ثلاثا" وهذا بحضرة أصحاب رسول الله - عليه السلام - لا ينكره منهم أحد .

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا فضيل بن عياض ، عن منصور بن المعتمر ، عن شقيق ، عن مسروق ، قال : " قدمت مكة معتمرا ، فتبعت عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - فدخل المسجد ، فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا" .

                                                حدثنا محمد ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا حماد ، عن أيوب ، عن نافع : " أن ابن عمر كان إذا قدم مكة ، طاف بالبيت ، ورمل ، ثم طاف بين الصفا والمروة ، ، وإذا لبى بها من مكة لم يرمل بالبيت ، ، وأخر الطواف بين الصفا والمروة إلى يوم النحر ، وكان لا يرمل يوم النحر" .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وقد رمل أيضا أصحاب رسول الله - عليه السلام - من بعده ، وأخرج عن ثلاثة منهم ، وهم : عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - .

                                                أما أثر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فأخرجه من طريقين :

                                                الأول : عن فهد بن سليمان ، عن إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، فيه مقال ، فقال النسائي : ليس بثقة . وقال ابن عدي : مع ضعفه يكتب حديثه . روى له أبو داود وابن ماجه . عن هشام بن سعد أبي عباد المدني يقال له : يتيم زيد بن أسلم ، فيه مقال ، فقال أحمد : لم يكن بالحافظ . وعن يحيى : ضعيف ، وعنه : صالح . وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به . ولكن روى له مسلم والأربعة ، عن زيد بن [ ص: 377 ] أسلم القرشي أبي عبد الله المدني الفقيه مولى عمر بن الخطاب وأحد مشايخ أبي حنيفة ومالك ، روى له الجماعة ، عن أبيه أسلم مولى عمر روى له الجماعة .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا أحمد بن حنبل ، ثنا عبد الملك بن عمرو ، قال : ثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول : "فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب وقد أطأ الله الإسلام ونفى الكفر وأهله ؟ ! ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله - عليه السلام - " .

                                                وأخرجه ابن ماجه : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، نا جعفر بن عون ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : سمعت عمر - رضي الله عنه - يقول : "فيم الرملان الآن وقد أطأ الله الإسلام ونفى الكفر وأهله ، وايم الله ، لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله - عليه السلام - " .

                                                وأخرج البخاري : ما يقاربه : ثنا سعيد بن أبي مريم ، أنا محمد بن جعفر ، قال : أخبرني زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال للركن : أما والله ، إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استلمك ما استلمتك ، فاستلمه وقال : وما لنا وللرمل إنا كنا رائينا به المشركين ، وقد أهلكهم الله - عز وجل - ثم قال : شيء صنعه النبي - عليه السلام - فلا نحب أن نتركه" .

                                                قوله : "فيم الرملان" بضم النون ؛ لأنه مرفوع بالابتداء ، وخبره مقدما قوله : "فيم" ، ومعناه : لأجل أي شيء الرمل ؟ ! في الطواف ، أراد أنهم كانوا يرملون إظهارا للجلادة والقوة للمشركين ، وقد نفى الله الشرك والمشركين ، فلماذا نرمل ؟ ! ولكنه سنة فعلها رسول الله - عليه السلام - فلا نتركها .

                                                و "الرملان" على وزن فعلان ، مصدر كالرمل ، ويكثر مجيء المصدر على هذا الوزن في أنواع الحركة كالنزوان والنسلان والعسلان والرسفان ونحوها .

                                                [ ص: 378 ] وحكى الحربي فيه قولا غريبا وقال : إنه تثنية الرمل وليس مصدرا ، وهو أن يهز منكبيه ولا يسرع ، والسعي : أن تسرع في المشيء ، وأراد بالرملين : الرمل والسعي قال : وجاز أن يقال للرمل والسعي : الرملان ؛ لأنه لما خف اسم الرمل وثقل اسم السعي غلب الأخف ، فقيل : الرملان ، كما قالوا : القمران والعمران .

                                                قلت : وعلى هذا القول النون مكسورة في الرملان ؛ لأنه نون التثنية ، فافهم ، وفيه نظر ؛ لأن السعي بين الصفا والمروة شعار قديم من عهد هاجر أم إسماعيل - عليهم السلام - ، والرمل إنما شرع في عمرة القضاء لأجل المشركين ، وليس مراد عمر - رضي الله عنه - بقوله : فيم الرملان إلا الطواف وحده ، فليس للتثنية وجه .

                                                قوله : "وقد أطأ الله الإسلام" أي ثبته وأرساه ، والهمزة فيه بدل واو "وطأ" .

                                                الطريق الثاني : عن محمد بن عمرو بن يونس التغلبي ، عن يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن النهشلي أبي زكرياء الكوفي الجزار - بالجيم والزاي وفي آخره راء مهملة - قال العجلي : ثقة وكان فيه تشييع . وعن يحيى : ليس بشيء . روى له الجماعة سوى النسائي والبخاري في الأدب ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي الفقيه قاضي الكوفة ، فيه لين ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن يعلى بن أمية بن أبي عبيدة المكي الصحابي .

                                                وأخرجه البيهقي : من حديث عطاء نحوه .

                                                وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" : عن يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن يحيى بن سعيد ] ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة : "أن عمر بن الخطاب رمل ما بين الحجر إلى الحجر" .

                                                وأما أثر عبد الله بن مسعود ، فأخرجه بإسناد صحيح ، عن ابن خزيمة ، عن حجاج بن منهال ، عن فضيل بن عياض . . . إلى آخره .

                                                [ ص: 379 ] وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عبد الله : "أنه رمل ثلاثا ومشى أربعا" .

                                                وأما أثر عبد الله بن عمر ، فأخرجه أيضا بإسناد صحيح ، عن محمد بن خزيمة ، عن حجاج بن منهال الأنماطي شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة ، عن أيوب السختياني ، عن نافع .

                                                وأخرجه ابن عبد البر نحوه ، قال : وأخرج مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر نحوه ، [ففي] هذا الحديث أنه كان يرمل في الحجة إذا كان إحرامه بها من غير مكة ، وكان لا يرمل إذا أحرم بها من مكة ، وهذا إجماع من العلماء : أن من أحرم بالحج من مكة من غير أهله والمتمتعين بها أنه لا رمل عليه إن طاف بالبيت قبل خروجه إلى منى ؛ لأنهم قد طافوا حين وصولهم حين طافوا للقدوم .

                                                قوله : "وإذا لبى بها" أي بالحجة .




                                                الخدمات العلمية