الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3782 3783 ص: وقد روي عن النبي - عليه السلام - في قتل الحية أيضا ما حدثنا أبو أمية ، قال : ثنا موسى بن داود ، قال : ثنا حفص ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عبد الله قال : " أمرنا رسول الله - عليه السلام - بقتل الحية ونحن بمنى" . فقد دل ذلك على أن سائر الهوام مباح قتله في الإحرام والحرم .

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا تأييدا لما قاله من إلحاق الحية وجميع الهوام بالعقرب في إباحة القتل في الكل مع تنصيص العقرب وحدها .

                                                وأخرجه بإسناد صحيح : عن أبي أميه محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي ، عن موسى بن داود الضبي الخلقاني قاضي طرسوس ، روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، عن حفص بن غياث النخعي قاضي الكوفة وأحد أصحاب [ ص: 301 ] أبي حنيفة روى له الجماعة ، عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم النخعي ، عن الأسود بن يزيد النخعي ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - .

                                                وأخرجه مسلم : حدثني أبو كريب ، قال : ثنا حفص بن غياث ، قال : ثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عبد الله : "أن رسول الله - عليه السلام - أمر محرما بقتل حية بمنى " .

                                                وقال ابن بطال : أجمع العلماء على جواز قتل الحية في الحل والحرم ، وقال الطبري : فإن قيل : قد صح أمر النبي - عليه السلام - بقتل الحيات ، فما أنت قائل في قوله أيضا : نهى عن قتل حيات البيوت ؟ قيل له : اختلف السلف قبلنا في ذلك ، فقال بعضهم بظاهر الأمر بقتل الحيات كلها من غير استثناء شيء منها ، كما روى أبو إسحاق ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عبد الله ، قال رسول الله - عليه السلام - : "اقتلوا الحيات كلهن ، فمن خاف ثأرهن فليس مني" وروي هذا أيضا عن عمر - رضي الله عنه - .

                                                وقال آخرون : لا ينبغي أن نقتل عوامر البيوت وسكانها إلا بعد مناشدة العهد الذي أخذ عليهن ، فإن ثبت بعد إنشاده قتل ، قال الطبري : وجميع هذه الأخبار عن النبي - عليه السلام - حق وصدق وليس في شيء منها خلاف لصاحبه ، والرواية عنه أنه أمر بقتل الحيات من غير استثناء شيء منها خبر مجمل بين معناه الخبر الآخر ، نهى عن قتل جنان البيوت إلا بعد النشدة حذار الإصابة فيلحقه ما لحق الفتى المعرس بأهله ، روى ابن أبي مليكة ، عن عائشة بنت طلحة : "أن عائشة - رضي الله عنها - رأت في مغتسلها حية فقتلتها ، فأتيت في منامها ، فقيل لها : إنك قتلت مسلما ، فقالت : لو كان مسلما ما دخل على أمهات المؤمنين فقيل : ما [ ص: 302 ] دخل عليك إلا وعليك ثيابك ، فأصبحت فزعة ، ففرقت في المساكين اثني عشر ألفا" . وقال ابن قانع : لا تنذر عوامر البيوت إلا بالمدينة خاصة ، على ظاهر الحديث ، وقال مالك : تنذر بالمدينة وغيرها ، وهو بالمدينة أوجب ، ولا تنذر بالصحاري ، وقال غيره : المدينة وغيرها سواء في الإنذار .

                                                قلت : "جنان البيوت" بكسر الجيم ، واحدها جن ، والاثنان والجمع جنان ، مثل صنو ، وصنوان للاثنين والجمع ، وهي الحيات ، وروي عن ابن عباس : الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل والله أعلم .




                                                الخدمات العلمية