الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3924 3925 3926 ص: فكان من الحجة على أهل هذه المقالة الأخرى : أن حديث عائشة هذا قد روي على غير ما ذكرنا ؛ حدثنا أبو بكرة ومحمد بن خزيمة ، قالا : ثنا عثمان بن الهيثم ، قال : أخبرني ابن جريج ، قال : أخبرني هشام بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة أنها قالت : "أمرنا النبي - عليه السلام - فقال : من شاء أن يهل بالحج ، ومن شاء فليهل بالعمرة ، قالت : فكنت ممن أهل بعمرة ، فحضت ، ودخل علي النبي - عليه السلام - فأمرني أن أنقض رأسي وأمتشط وأدع العمرة" .

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا يوسف بن عدي ، قال : ثنا ابن أبي زائدة ، عن إسرائيل ، عن زيد بن الحسن ، عن عكرمة ، عن عائشة مثله .

                                                حدثنا ابن أبي داود قال : ثنا يوسف ، قال : ثنا ابن أبي زائدة ، عن نافع ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، مثله .

                                                ففي هذا الحديث أن رسول الله - عليه السلام - أمرها حين حاضت أن تدع عمرتها ، وذلك قبل طوافها لها ، فكيف يكون طوافها في حجتها التي أحرمت بها بعد ذلك تجزئ عنها من حجتها تلك ومن عمرتها التي قد رفضتها ؟ ! هذا محال .

                                                [ ص: 476 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 476 ] ش: أراد بالحجة : الجواب عن ما احتج به أهل المقالة الأولى من حديث جابر الذي فيه قضية عائشة ، في أن القارن ليس عليه إلا طواف واحد ، وتقريره أن يقال : إن قضية عائشة التي حدث بها جابر - رضي الله عنه - قد رواها عروة بن الزبير عنها على غير ذلك ، وذلك أنه - عليه السلام - أمرها في حديث جابر وهي محرمة بالعمرة ثم بالحجة أن تطوف بالبيت وتسعى .

                                                وأهل المقالة الأولى استدلوا به على أن القارن يطوف طوافا واحدا لا غير ، وفي حديث عروة عن عائشة هذا أمرها رسول الله - عليه السلام - حين حاضت أن تدع عمرتها ، وذلك قبل طوافها للعمرة ، وكيف يكون طوافها في حجتها التي أحرمت بها بعد ذلك يجزئ عن حجتها هذه ، وعن عمرتها التي قد رفضتها ؟ ! هذا محال ، وجه الإحالة هو أن الطواف الواحد لا يمكن أن يكون لحجة هي متلبسة بها ، ولعمرة مرفوضة لم توجد أصلا .

                                                فإن قيل : قد فسر الطحاوي حديث عطاء عن عائشة - المذكور عن قريب - : "إن طوافك يكفيك لحجك وعمرتك" بأن معناه الطواف المفعول للحج يجزئ عن الحج والعمرة ، وها هنا قال : هذا محال ، وبين الكلمتين تناقض .

                                                قلت : ذاك التفسير إنما كان ردا لما قاله أهل المقالة الأولى ولهذا قال : وأنتم لا تقولون هذا ، إنما تقولون : طواف القارن طواف لقرانه لا لحجته دون عمرته ، ولا لعمرته دون حجته ، ألا ترى بعد ذلك كيف نفى هذا أيضا حيث قال : المراد من الذي ذكر أنه يكفيها : هو الحج من الحجة والعمرة لا الطواف .

                                                ثم إنه أخرج الحديث المذكور من ثلاث طرق صحاح :

                                                الأول : عن أبي بكرة بكار القاضي ، ومحمد بن خزيمة ، كلاهما عن عثمان بن الهيثم شيخ البخاري ، عن عبد الملك بن جريج المكي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام ، عن عائشة - رضي الله عنها - .

                                                [ ص: 477 ] وأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا روح ، قال : نا ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : "خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - في حجة الوداع فنزلنا الشجرة ، فقال : من شاء فليهل بحجة ، قالت عائشة : فأهل منهم بعمرة وأهل منهم بحجة ، قالت : فكنت أنا ممن أهل بعمرة ، فأدركني يوم عرفة وأنا حائض ، فقال لي رسول الله - عليه السلام - : انقضي رأسك وامتشطي ، وذري عمرتك ، وأهلي بالحج ، فلما كان ليلة الحصبة أمرني فاعتمرت مكان عمرتي التي تركت" .

                                                الثاني : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن يوسف بن عدي بن زريق - شيخ البخاري - عن يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة ، عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - عن عكرمة مولى ابن عباس ، عن عائشة - رضي الله عنها - .

                                                الثالث : عن إبراهيم بن أبي داود أيضا ، عن يوسف بن عدي أيضا ، عن يحيى بن أبي زائدة أيضا ، عن نافع بن عمر بن عبد الله الجمحي المكي وثقه ابن حبان ، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة المكي الأحول القاضي ، عن عائشة .




                                                الخدمات العلمية