الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            679 - أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي، أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي، نا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، حدثنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، نا قتيبة ، نا الليث ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، وطاوس ، عن ابن عباس ، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن، وكان يقول: التحيات المباركات الصلوات [ ص: 183 ] الطيبات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله ".

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن قتيبة .

                                                                            قلت: قال أهل المعرفة بالحديث: أصح حديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد حديث ابن مسعود ، واختاره أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم، وهو قول الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق ، وأصحاب الرأي.

                                                                            وذهب الشافعي إلى تشهد ابن عباس للزيادة التي فيه، وهو قوله "المباركات" ولموافقته القرآن، وهو قوله سبحانه وتعالى ( فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة ) .

                                                                            وذهب مالك إلى تشهد عمر بن الخطاب ، علمه الناس على المنبر: [ ص: 184 ] التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات، والباقي كما في رواية ابن مسعود .

                                                                            وروي عن عبد الله بن عمر ، أنه كان يقول: بسم الله، التحيات لله.

                                                                            وروي عن القاسم بن محمد ، " أن عائشة كانت تقول إذا تشهدت: التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ".

                                                                            واختلف العلماء في وجوب قراءة التشهد، فذهب قوم إلى وجوبها، ولو تركها لم تصح صلاته، يروى ذلك عن عمر، وبه قال الحسن، وإليه ذهب مالك، والشافعي ، وقال الزهري ، وقتادة ، وحماد : إن ترك التشهد حتى انصرف مضت صلاته.

                                                                            وقال أحمد: إن لم يتشهد وسلم، أجزأه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين، فمضى في صلاته.

                                                                            وذهب أصحاب الرأي إلى أن القعود قدر التشهد واجب، أما [ ص: 185 ] القراءة، فاستحباب، وروي عن سعيد بن المسيب : إذا رفع رأسه من آخر السجدة، فقد تمت صلاته.

                                                                            وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فعامة العلماء على أن التشهد الأول ليس محلا لها، وهي مستحبة في التشهد الأخير غير واجبة، وذهب الشافعي وحده إلى وجوبها في التشهد الأخير، فإن لم يصل، لم تصح صلاته، واحتج أصحابه بقول الله سبحانه وتعالى: ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه ) أمر الله سبحانه وتعالى بالصلاة عليه، والأمر للوجوب، فكان ذلك منصرفا إلى الصلاة حتى تكون فرضا، لأنه لو صرف إلى غيرها كان ندبا، إذ لا خلاف أنها غير واجبة في غير الصلاة، فدل على وجوبها في الصلاة. [ ص: 186 ] .

                                                                            وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود : "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه".

                                                                            فيه دليل على أنه يتخير ما شاء من الأذكار، وله أن يدعو، ويسأل في الصلاة ما أحب من أمر الدين والدنيا مما لا إثم فيه، ويحتج به من لا يرى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في الصلاة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خيره بعد الفراغ من التشهد، ولو كانت واجبة لم يخيره فيها.

                                                                            وقلت: وينبغي للمصلي بعدما فرغ من التشهد أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما أحب، ويتحرى من الأدعية ما ورد بها السنة، وكذلك كل من أراد أن يدعو بشيء ينبغي أن يبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل حاجته، لما روي عن فضالة بن عبيد، قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا، إذا دخل رجل، فصلى، فقال: اللهم اغفر لي وارحمني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجلت [ ص: 187 ] أيها المصلي، إذا صليت، فقعدت، فاحمد الله بما هو أهله، وصل علي، ثم ادعه "، قال: ثم صلى رجل آخر بعد ذلك، فحمد الله، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ادع تجب".

                                                                            وروي عن عمر بن الخطاب ، قال: "إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك". [ ص: 188 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية