الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            561 - أخبرنا عمر بن عبد العزيز ، أنا القاسم بن جعفر ، أنا أبو علي اللؤلؤي، حدثنا أبو داود ، نا محمد بن المصفى الحمصي، نا بقية، نا الزبيدي، عن الزهري ، عن سالم، عن عبد الله بن عمر ، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة، رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، ثم كبر، وهما كذلك، فركع، ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى تكونا حذو منكبيه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ولا يرفع يديه في السجود، ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع، حتى تنقضي صلاته ".

                                                                            قلت: ورفع اليدين حذو المنكبين في هذه المواضع الأربع، متفق على صحته، يرويه جماعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: عمر، وعلي بن أبي طالب ، ووائل بن حجر، وأنس، وأبو هريرة ، ومالك بن الحويرث، وأبو حميد الساعدي، في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبه يقول [ ص: 23 ] أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو بكر ، وعلي، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو سعيد الخدري، وجابر، وأبو هريرة ، وأنس، وعبد الله بن الزبير ، وغيرهم، وإليه ذهب من التابعين: الحسن البصري ، وابن سيرين ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، وسعيد بن جبير ، ونافع ، وقتادة ، ومكحول ، وغيرهم، وبه قال الأوزاعي ، ومالك في آخر أمره، وابن المبارك، والشافعي ، وأحمد، وإسحاق .

                                                                            قلت: ولم يذكر الشافعي رفع اليدين عند القيام من الركعتين، لأنه بنى قوله على حديث ابن شهاب ، عن سالم، ومذهبه اتباع السنة إذا ثبتت، وثبت رفع اليدين عند القيام من الركعتين برواية عبيد الله بن عمر ، عن نافع، وسائر الروايات. [ ص: 24 ] .

                                                                            وذهب قوم إلى أنه لا يرفع يديه إلا عند الافتتاح، يروى ذلك عن الشعبي ، والنخعي ، وبه قال ابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، وأصحاب الرأي، واحتجوا بما روي عن عبد الله بن مسعود ، قال: "ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى، ولم يرفع يديه إلا أول مرة".

                                                                            وروي عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب ، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة، رفع يديه إلى قريب من أذنيه، ثم لا يعود".

                                                                            قلت: وأحاديث رفع اليدين في المواضع الأربع أصح وأثبت، فاتباعها أولى. [ ص: 25 ] .

                                                                            قال عبد الله بن المبارك: لم يثبت حديث ابن مسعود ، أنه لا يرفع إلا أول مرة.

                                                                            قال أبو سليمان الخطابي: وقد يجوز أن يذهب ذلك على ابن مسعود ، كما قد ذهب عليه الأخذ بالركبة في الركوع، وكان يطبق بيديه على الأمر الأول، وخالفه الصحابة كلهم في ذلك.

                                                                            وأما حديث البراء ، فلم يقل أحد فيه: "ثم لا يعود" غير شريك ، عن يزيد بن أبي زياد.

                                                                            قال أبو داود السجستاني: ورواه هشيم ، وخالد ، وابن إدريس، عن يزيد بن أبي زياد، ولم يذكروا فيه "ثم لا يعود"، وحكي عن سفيان بن عيينة ، أن يزيد حدثهم به قبل خروجه إلى الكوفة، فلم يذكر فيه "ثم لا يعود"، فلما انصرف زاد فيه "لا يعود"، فحمل ذلك منه على الغلط والنسيان.

                                                                            واختلفت الرواية في منتهى ما ترفع إليه اليد، فروى علي، وأبو حميد الساعدي، وابن عمر ، "رفع اليدين إلى المنكبين". [ ص: 26 ] .

                                                                            وروى وائل بن حجر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، "أنه كان يرفع يديه، حتى يحاذي أذنيه".

                                                                            وروى مالك بن الحويرث ، "حتى يبلغ بهما فروع أذنيه".

                                                                            واختلف أهل العلم فيه، فذهب مالك، والشافعي ، وأحمد، وإسحاق ، إلى أن يرفعهما حذو المنكبين، وذهب سفيان الثوري ، وأصحاب الرأي، إلى أنه يرفعهما إلى الأذنين، وحكي عن أبي ثور أن الشافعي جمع بين الحديثين، وقال: كان يحاذي بظهر كفيه المنكبين، وبأطراف أنامله الأذنين.

                                                                            والدليل على صحة هذا التأويل ما.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية