الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            853 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا قتيبة بن سعيد، نا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة ، قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: "مروا أبا بكر أن يصلي بالناس"، فقلت: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى ما يقوم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، فقال: مروا أبا بكر أن يصلي بالناس، فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى ما يقوم [ ص: 424 ] مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، قال: "إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر أن يصلي بالناس" فلما دخل في الصلاة، وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة، فقام يهادى بين رجلين، ورجلاه يخطان في الأرض حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر حسه، ذهب أبو بكر يتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر ، فكان أبو بكر يصلي قائما، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدا، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم، عن يحيى بن يحيى ، عن أبي معاوية، عن الأعمش ، ورواه محمد بن إسماعيل ، عن مسدد ، عن عبد الله بن داود، عن الأعمش بهذا الإسناد، وقال: "فتأخر [ ص: 425 ] أبو بكر ، وقعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه، وأبو بكر يسمع الناس التكبير".

                                                                            أخرجه مسلم، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن عيسى بن يونس ، عن الأعمش .

                                                                            وزعم بعض أهل الحديث أن الرواية عن عائشة في هذا الحديث متعارضة، فروى الأسود عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إماما، وروى مسروق ، عن عائشة ، قالت: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعدا".

                                                                            وكذلك روى ثابت، عن أنس، قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعدا في ثوب متوشحا به".

                                                                            وهذا يدل على أن أبا بكر كان إماما، فلما تعارضت الرواية عنها، لم يجز ترك حديث أنس [ ص: 426 ] في العقود.

                                                                            وفي هذا الحديث من الفقه، أنه تجوز الصلاة بإمامين، أحدهما بعد الآخر من غير حدث يحدث بالإمام، مثل أن يقتدي بإمام فيفارقه، ويقتدي بآخر.

                                                                            وفيه أيضا دليل على أنه يجوز أن يقتدي بإمام والمأموم سابق ببعض صلاته مثل أن شرع في الصلاة منفردا فصلى بعضها، ثم وصل صلاته بصلاة غيره.

                                                                            وقول عائشة : إن أبا بكر رجل أسيف، فالأسيف: سريع الحزن والبكاء، ويقال: الأسيف: المحزون كالمقهور، ومنه سمي العبد أسيفا.

                                                                            قولها: "يهادى بين رجلين" قال أبو عبيد : تعني: أنه كان يعتمد عليهما من ضعفه وتمايله، وكل من فعل ذلك بأحد، فهو يهاديه، ويقال: تهادت المرأة في مشيتها: إذا تمايلت [ ص: 427 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية