الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء.

                                                                            572 - أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني، أنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، أنا أبو أحمد محمد بن عيسى الجلودي، نا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، نا أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، نا محمد بن أبي بكر المقدمي، نا يوسف بن الماجشون ، حدثني أبي، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا قام إلى الصلاة، قال: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا [ ص: 35 ] أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك، وإذا ركع قال: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي، وعصبي، وإذا رفع قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، وإذا سجد قال: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين، ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت ". [ ص: 36 ] .

                                                                            هذا حديث صحيح.

                                                                            قال مسلم بن الحجاج : حدثنا زهير بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، نا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن عمه الماجشون بن أبي سلمة ، عن الأعرج بهذا الإسناد، وقال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة كبر، ثم قال: وجهت وجهي "، وقال: "وأنا أول المسلمين" وإذا سلم قال: "اللهم اغفر لي ما قدمت. . . ." إلى آخر الحديث.

                                                                            قوله: "وجهت وجهي" أي: قصدت بعبادتي وتوحيدي إليه، وقوله سبحانه وتعالى: ( فأقم وجهك للدين القيم ) ، أي: أقم قصدك.

                                                                            قوله: "حنيفا" قال أبو عبيد : الحنيف عند العرب: من كان على دين إبراهيم، وقيل الحنف: الاستقامة، وإنما قيل للمائل الرجل: أحنف، تفاؤلا بالاستقامة.

                                                                            وقيل: معنى الحنيفية في الإسلام: الميل إليه، والإقامة على عقده، والحنف: إقبال إحدى القدمين على الأخرى.

                                                                            وقوله: "إن صلاتي ونسكي": كل ما يتقرب به إلى الله تعالى، فيقال: فلان ناسك من النساك، أي: عابد من العباد، [ ص: 37 ] يؤدي المناسك، وما يتقرب به إلى الله تعالى، ويقال النسك: ما أمرت به الشريعة، والورع ما نهي عنه.

                                                                            وقوله: "لبيك" أي: إجابة بعد إجابة.

                                                                            وقوله: "سعديك" أي: ساعدت طاعتك يا رب مساعدة بعد مساعدة.

                                                                            وقوله: "والشر ليس إليك"، قال الخليل: معناه: الشر ليس مما يتقرب به إليك، وقيل: أراد أن الشر لا يصعد إليك، إنما يصعد إليك الطيب، وهو الخير، وقيل: معناه: لا ينسب الشر إليك على الانفراد تعظيما، فلا يقال: يا خالق الشر، ويا خالق القردة والخنازير افعل كذا، وإن كان الله خالقها، ولا يقال: يا ضار، ويا مذل، افعل كذا، بل يقال: يا ضار، يا نافع، يا معز، يا مذل، كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( وإذا مرضت فهو يشفين ) أضاف المرض إلى نفسه، والشفاء إلى ربه، وأخبر عن الخضر حيث أضاف إرادة عيب السفينة إلى نفسه، فقال: ( فأردت أن أعيبها ) ، وأضاف ما كان من باب الرحمة إلى ربه، فقال: ( فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ) الآية.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية