الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            833 - أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنا أبو منصور السمعاني، نا أبو جعفر الرياني، نا حميد بن زنجويه، نا أبو نعيم ، ومحمد بن يوسف، قالا: حدثنا فطر بن خليفة، عن إسماعيل بن رجاء ، سمعت أوس بن ضمعج ، سمعت أبا مسعود الأنصاري ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانت القراءة واحدة، فأعلمهم بالسنة، فإن كانت السنة واحدة، فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانت الهجرة واحدة، فليؤمهم أكبرهم سنا، ولا يؤمن رجل رجلا في بيته، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه".

                                                                            قلت: لم يختلف أهل العلم في أن القراءة والفقه يقدمان على قدم الهجرة، وتقدم الإسلام، وكبر السن في الإمامة.

                                                                            واختلفوا في الفقه مع القراءة، فذهب جماعة إلى أن القراءة [ ص: 396 ] مقدمة على الفقه، لظاهر الحديث، فالأقرأ أولى من الأعلم بالسنة، وإن استويا في القراءة، فالأعلم بالسنة، وهو الأفقه ، أولى ، وبه قال سفيان الثوري ، وأحمد، وإسحاق ، وأصحاب الرأي.

                                                                            وذهب قوم إلى أن الأفقه أولى إذا كان يحسن من القراءة ما تصح بها الصلاة، وهو قول عطاء بن أبي رباح ، وبه قال الأوزاعي ، ومالك ، وأبو ثور ، وإليه مال الشافعي ، فقال: إن قدم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكتفى به للصلاة فحسن، وإن قدم أقرؤهم إذا علم ما يلزمه فحسن، وإنما قدم هؤلاء الأفقه، لأن ما يجب من القراءة في الصلاة محصور، وما يقع فيها من الحوادث غير محصور، وقد يعرض للمصلي في صلاته ما يفسد عليه صلاته، إذا لم يعرف حكمه.

                                                                            وإنما قدم النبي صلى الله عليه وسلم القراءة، لأنهم كانوا يسلمون كبارا، فيفقهون قبل أن يقرؤوا ، فلم يكن فيهم قارئ إلا وهو فقيه، ومن بعدهم يتعلمون القرآن صغارا قبل أن يفقهوا، فكل فقيه فيهم قارئ، وليس كل قارئ فقيها.

                                                                            فإن استووا في القراءة والسنة، قال: "فأقدمهم هجرة" فإن الهجرة اليوم منقطعة، غير أن فضيلتها موروثة، فمن كان من أولاد المهاجرين، أو كان في آبائه وأسلافه من له سابقة في الإسلام والهجرة، فهو أولى ممن لا سابقة لأحد من آبائه وأسلافه، فإن استووا، فالأكبر [ ص: 397 ] سنا أولى، لأنه إذا تقدم أصحابه في السن، فقد تقدمهم في الإسلام.

                                                                            قوله: "ولا يؤم الرجل في سلطانه"، قيل: أراد به في الجمعات، والأعياد، السلطان أولى لتعلق هذه الأمور بالسلاطين، فأما الصلوات المكتوبات، فأعلمهم أولاهم، وقيل: السلطان، أو نائبه إذا كان حاضرا، فهو أولى من غيره بالإمامة، وكان أحمد يرى الصلاة خلف أئمة الجور، ولا يراها خلف أهل البدع، ويروى: "ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه"، وأراد به أن صاحب البيت أولى بالإمامة، إذا أقيمت الجماعة في بيته، وإن كانت الخصال في غيره، إذا كان هو يحسن من القراءة والعلم ما يقيم به الصلاة.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية