3945 3946 ص: وقد روى عبد الرحمن بن يعمر الديلي ، عن النبي - عليه السلام - ما يدل على ذلك :
حدثنا علي بن معبد ، قال : ثنا يعلى بن عبيد ، قال : ثنا سفيان ، عن بكير بن عطاء ، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال : "رأيت رسول الله - عليه السلام - واقفا بعرفات ، فأقبل أناس من أهل نجد فسألوه عن الحج ، . فقال : الحج يوم عرفة ، ومن أدرك جمعا قبل صلاة الصبح فقد أدرك الحج ، أيام منى ثلاثة أيام التشريق ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه ، ثم أردف خلفه رجلا ينادي بذلك" .
حدثنا علي ، قال : ثنا شبابة بن سوار ، قال : ثنا شعبة ، عن بكير بن عطاء ، عن عبد الرحمن بن يعمر ، قال : قال رسول الله - عليه السلام - . . . ثم ذكر مثله ، ولم يذكر سؤال أهل نجد ولا إردافه الرجل .
ففي هذا الحديث أن أهل نجد سألوا رسول الله - عليه السلام - عن الحج ، فكان جوابه لهم : " الحج يوم عرفة" .
وقد علمنا أن جواب رسول الله - عليه السلام - هو الجواب التام الذي لا نقص فيه ولا فضل ؛ لأن الله تعالى قد آتاه جوامع الكلم وخواتمه ، فلو كان عندما سألوه عن الحج أرادوا بذلك ما لا بد منه في الحج ، لكان يذكر عرفة والطواف ومزدلفة ، وما يفعل في الحج . سوى ذلك ، فلما ترك ذكر ذلك في جوابه إياهم ، علمنا أن ما أرادوا [بسؤالهم] إياه عن الحج ، وهو ما إذا فات الحج ، ، فأجابهم بأن قال : " الحج يوم عرفة" ، فلو كانت مزدلفة كعرفة لذكر لهم مزدلفة مع ذكره عرفة ، [ ص: 510 ] ولكنه ذكر عرفة خاصة ؛ لأنها صلب الحج ، الذي إذا فات فات الحج ، . ثم قال كلاما مستأنفا ، ليعلم الناس [أن] من أدرك جمعا قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج ، ، ليس على معنى أنه أدرك جميع الحج ؛ ؛ لأنه قد ثبت في أول كلامه : الحج عرفة ، فأوجب بذلك أن فوت عرفة فوت للحج ، ثم قال : ومن أدرك جمعا قبل صلاة الصبح فقد أدرك الحج ، ، ليس على معنى أنه لم يبق عليه شيء من الحج ؛ لأن بعد ذلك طواف الزيارة وهو واجب لا بد منه ، ولكن فقد أدرك بما تقدم له من الوقوف بعرفة .
فهذا أحسن ما خرج من معاني هذه الآثار وصحت عليه ولم تتضاد .


