الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الإمام يذكر بعد افتتاح الصلاة أنه جنب، وانتظار من خلفه رجوع الإمام إليهم بعد الاغتسال ليتم بهم بقية صلاتهم

                                                                                                                                                                              2039 - حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال: نا بشر بن بكر ، قال: نا الأوزاعي ، قال: حدثني الزهري ، قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، قال: حدثني أبو هريرة ، قال: أقيمت الصلاة وصف الناس صفوفهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام مقامه، ثم ذكر أنه لم يغتسل، فقال: "مكانكم" فانصرف إلى منزله ثم خرج حتى قام مكانه رأسه ينطف الماء". [ ص: 241 ]

                                                                                                                                                                              2040 - حدثنا علان بن المغيرة ، قال: نا أبو صالح الحراني عبد الغفار بن داود، قال: نا حماد بن سلمة ، عن زياد الأعلم، عن الحسن، عن أبي بكرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ إليهم أن مكانكم ثم ذهب، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد اختلف أهل العلم في الإمام يصلي بالناس وهو جنب، فقالت طائفة: يعيد ولا يعيدون، فعل ذلك عمر بن الخطاب فأعاد الصلاة ولم يعد من خلفه صلاتهم، وروي هذا القول عن عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر .

                                                                                                                                                                              2041 - حدثنا الربيع بن سليمان ، قال: نا عبد الله بن وهب ، عن أسامة ، عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن عيسى بن طلحة ، عن الشريد، أن عمر بن الخطاب ، صلى بالناس الصبح بالمدينة ، ثم خرج إلى الجرف فذهب يغتسل فرأى في فخذيه احتلاما، فقال: "ما لي أراني إلا قد صليت بالناس وأنا جنب؟، فاغتسل ثم أعاد صلاته". [ ص: 242 ]

                                                                                                                                                                              2042 - حدثنا علان بن المغيرة ، قال: نا عمرو بن الربيع، قال: نا يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن عمر ، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم النخعي ، عن الأسود بن يزيد ، قال: كنت مع عمر بن الخطاب بين مكة والمدينة فصلى لنا، ثم انصرف فرأى في ثوبه احتلاما، فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه، وأعاد الصلاة ولم نعد صلاتنا".

                                                                                                                                                                              2043 - حدثنا محمد بن علي ، قال: نا سعيد ، قال: نا هشيم ، عن خالد بن سلمة المخزومي، قال حدثني محمد بن عمرو بن الحارث بن المصطلق، أن عثمان، صلى بالناس صلاة الفجر فلما تعالى النهار رأى أثر الجنابة على فخذه، فقال: كبرت والله، كبرت والله أجنبت ولا أعلم، فاغتسل وأعاد الصلاة ولم يأمرهم أن يعيدوا".

                                                                                                                                                                              2044 - حدثنا إسماعيل بن قتيبة ، قال: نا أبو بكر ، قال: نا أبو خالد ، عن حجاج ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي، قال: "إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة، آمره أن يغتسل ويعيد ولا آمرهم أن يعيدوا". [ ص: 243 ]

                                                                                                                                                                              2045 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم، أن ابن عمر ، صلى بأصحابه صلاة العصر وهو على غير وضوء، فأعاد ولم يعد أصحابه.

                                                                                                                                                                              وهو قول النخعي ، والحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، وبه قال مالك بن أنس ، والأوزاعي والشافعي ، وأحمد ، وسليمان بن حرب ، وأبو ثور ، والمزني، وحكي ذلك عن عبيد الله بن الحسن .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: يعيد ويعيدون، وممن روي عنه هذا القول علي بن أبي طالب خلاف الرواية الأولى، وبالروايتين جميعا مقال، وهو [ ص: 244 ] قول ابن سيرين ، والشعبي ، وحماد بن أبي سليمان ، وقال الثوري: أحب إلينا أن يعيد ويعيدوا، وقال النعمان وأصحابه: يعيد ويعيدون.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: قاله عطاء ، قال: إن صلى إمام قوم غير متوضئ فذكر حين فرغ، قال: يعيد ويعيدون، فإن لم يذكر حتى فاتت تلك الصلاة؛ فإنه يعيد هو ولا يعيدون، قلت: فصلى بهم جنبا فلم يعلموا، أو لم يعلم حتى فاتت تلك الصلاة؟ قال: فليعيدوا، فليست الجنابة كالوضوء.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ومن حجة بعض من رأى أن لا إعادة على من صلى خلف جنب خبر أبي هريرة ، وخبر أبي بكرة ، قال: وفي خبر أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر، وفي ذلك دليل على [ ص: 245 ] أن لا إعادة على المأموم؛ لأن حكم القليل من الصلاة كحكم الكثير فيمن صلى خلف جنب، قال: ولو لم يكن في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث لكان فيما روي عن الخلفاء الراشدين في هذا الباب كفاية، وقد ثبت عن ابن عمر مثل قولهم، ولا نعلم عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولهم.

                                                                                                                                                                              فأما ما حدث عن علي ففي الإسنادين جميعا مقال، فكأن عليا لم يأتنا عنه في هذا الباب شيء؛ لضعف الروايتين وتضادهما، واللازم لمن يرى اتباع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يخالف ما رويناه عن عمر، وعثمان ، وابن عمر في هذا الباب، والنظر مع ذلك دال على ذلك؛ لأن القوم لما صلوا كما أمروا فأدوا فرضهم ثم اختلف في وجوب الإعادة عليهم، لم يجز أن يلزموا إعادة ما صلوا على ظاهر ما أمروا به بغير حجة.

                                                                                                                                                                              واختلف مالك ، والشافعي في الإمام تعمد أن يصلي بهم وهو جنب، فكان مالك يقول: صلاة القوم فاسدة .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: عمد الإمام ونسيانه سواء، ولا إعادة على القوم؛ إلا إن الإمام يأثم بالعمد، ولا يأثم بالنسيان [ ص: 246 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية