الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر حد البلوغ الذي يجب على من بلغه الصلاة والفرائض والحدود

                                                                                                                                                                              قال الله جل ذكره: ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ) الآية، وقال جل ثناؤه: ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ) . [ ص: 450 ]

                                                                                                                                                                              وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن الغلام حتى يحتلم" وجاء الحديث عن معاذ بن جبل أنه قال: وأمرني أن آخذ من كل حالم دينارا.

                                                                                                                                                                              فالكتاب والسنة يدلان على أن الاحتلام حد للبلوغ، وثبت أن ابن عمر قال: عرضني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة، فلم يجزني ثم عرضني وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.

                                                                                                                                                                              وأمر الله جل ثناؤه في غير آية من كتابه بقتل المشركين وقتالهم، فقال جل ذكره: ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) وقال: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) ، وقال: ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) الآية، فأمر الله جل ثناؤه بقتل المشركين وقتالهم، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان، وفرقت السنة بين من أمر الله بقتله وبين من لا يجوز قتله، فجعلت الفصل بين الأمرين الإنبات.

                                                                                                                                                                              قال عطية القرظي: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فشكوا في، هل أنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا هل أنبت؟" فلم أكن أنبت فخلى عني وألحقني بالسبي.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فالاحتلام والإنبات واستكمال خمس عشرة سنة حد [ ص: 451 ] للبلوغ الذي يجب على الرجال والنساء بوجود أي واحدة من هذه الخصال كانت موجودة الفرائض والحدود، وفي المرأة خصلة رابعة تجب بوجودها فيها عليها الفرائض وهي الحيض، وقد أجمع أهل العلم على أن بوجود الحيض في المرأة تجب الفرائض، وممن أدرك ممن ذكرت مغلوبا على عقله فلا فرض عليه؛ لقول الله جل ذكره: ( واتقون يا أولي الألباب ) ، وبين الله أنه لا يخاطب بالأمر والنهي من لا يعقل ذلك عنه .

                                                                                                                                                                              وقد اختلف أهل العلم في بعض ما ذكرناه، فكان الشافعي يقول: إذا بلغ الغلام الحلم أو الجارية المحيض غير مغلوبين على عقولهما وجبت عليهما الصلاة والفرائض، ومن أبطأ عنه البلوغ فالسن الذي يلزمه به الفرائض استكمال خمس عشرة سنة.

                                                                                                                                                                              وفي مذهب أحمد، وإسحاق ، وأبي ثور : الإنبات حد البلوغ، ودفع ذلك الشافعي إلا في أهل الشرك الذين يقتل من بلغ منهم ويترك من لم يبلغ. [ ص: 452 ]

                                                                                                                                                                              وكان النعمان يقول: حد بلوغ الغلام ثماني عشرة سنة، والجارية سبع عشرة سنة.

                                                                                                                                                                              وهذا خلاف ما ذكرناه من السنن الثابتة، وقول من ذكرنا عنه ذلك من أهل العلم، ولا نعلم أحدا سبقه إلى هذا القول، وليس له فيما قال حجة.

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري : سمعنا أن الحلم أدناه أربع عشرة وأقصاه ثمان عشرة، فإذا جاءت الحدود أخذنا بأقصاهما، وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال في غلام فعل فعلا: انظروا إلى مؤتزره، فقال: لو كنت أنبت الشعر لجلدتك الحد". وكان القاسم ، وسالم يقولان: "يحد الصبي إذا أنبت الشعر".

                                                                                                                                                                              2319 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري، عن أيوب بن موسى، عن محمد بن يحيى بن حبان ، قال " ابتهر ابن أبي الصعبة بامرأة في شعره، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب ، فقال: انظروا إلى مؤتزره، فلم ينبت، فقال: لو كنت أنبت الشعر لجلدتك الحد".

                                                                                                                                                                              2320 - وحدثونا عن أبي موسى ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن حميد ، عن أنس، "أن أبا بكر أتي بسارق فشبره فنقص أنملة من ستة أشبار فتركه ولم يقطعه". [ ص: 453 ]

                                                                                                                                                                              2321 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة ، يقول: أتي ابن الزبير بوصيف لعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة قد سرق، فأمر به ابن الزبير فشبر فوجدوه ستة أشبار فقطعه، وأخبرنا عند ذلك ابن الزبير أن عمر بن الخطاب : " كتب إلى العراق في غلام من بني عامر يدعى نميلة سرق وهو غلام، فكتب عمر: أن أشبروه فإن بلغ ستة أشبار فاقطعوه، فشبر فنقص أنملة فترك، فسمي نميلة، فساد بعد أهل العراق ".

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : لا يجب على غلام في صيامه شهر رمضان الكفارة حتى يبلغ خمس عشرة سنة، إلا أن يحتلم قبل ذلك.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية