الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في القرى التي يجب على أهلها الجمعة

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الأمصار والقرى التي يجب على أهلها الجمعة.

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: كل قرية فيها جماعة فعليهم أن يصلوا الجمعة، روينا عن ابن عباس أنه، قال: إن أول جمعة جمعت بعد جمعة بالمدينة لجمعة جمعت بجواثى من البحرين . [ ص: 28 ] وروينا عن ابن عمر : أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون ولا يعيب ذلك عليهم".

                                                                                                                                                                              1737 - حدثنا سهل بن عمار ، قال: نا حفص بن عبد الله ، قال: أخبرنا إبراهيم - هو ابن طهمان - عن أبي جمرة الضبعي، عن ابن عباس ، أنه قال: "إن أول جمعة جمعت بعد جمعة بالمدينة لجمعة جمعت بجواثى من البحرين ".

                                                                                                                                                                              1738 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر " أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعيب ذلك عليهم.

                                                                                                                                                                              وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أهل المياه بين مكة والمدينة أن يجمعوا.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: كل قرية عليهم أمير يجمع فيها.

                                                                                                                                                                              وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب: أيما قرية فيها أمير يقضي ويقيم الحدود فإنه يجمع فيها.

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : كل مدينة أو قرية عليها أمير أمروا بالجمعة، فليجمع بهم أميرهم، وقال الليث بن سعد : كل مدينة أو قرية فيها جماعة، وعليهم أمير أمروا بالجمعة، فليجمع بهم. [ ص: 29 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع، يروى هذا القول عن علي.

                                                                                                                                                                              1739 - حدثنا يحيى بن محمد ، قال: ثنا أبو عمر ، قال: نا شعبة ، عن زبيد ، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي قال: "لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع" .

                                                                                                                                                                              وبه قال النخعي ، وكان الحسن البصري ، ومحمد بن سيرين يقولان: لا جمعة إلا في مصر ، أو قال: في الأمصار.

                                                                                                                                                                              وقال الحسن: إن عمر مصر سبعة أمصار، أو قال: مصر الأمصار سبعة: المدينة ، والبحرين، والبصرة، والكوفة، والجزيرة، والشام، ومصر.

                                                                                                                                                                              وقال النعمان ، وابن الحسن : لا تجب الجمعة إلا على أهل الأمصار، والمدائن.

                                                                                                                                                                              وحكي عن يعقوب أنه قال: تفسير المصر الجامع والمدينة ، كل مصر ومدينة فيها منبر وقاض ينفذ الأحكام، ويجوز حكمه ويقيم الحدود، قال: فهذا مصر جامع فيه الجمعة. [ ص: 30 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: كل قرية فيها أربعون رجلا - والقرية: البناء بالحجارة، واللبن، والجريد، والشجر، وتكون بيوتها مجتمعة، ويكون أهلها لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفا إلا ظعن حاجة - فإذا كانوا أربعين رجلا أحرارا بالغين، رأيت - والله أعلم - أن عليهم الجمعة، فإذا صلوا الجمعة أجزأت. هذا قول الشافعي . ومال إلى هذا القول أحمد بن حنبل ، وإسحاق ، ولم يشترطا الشروط التي اشترطها الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز قولا ثالثا أنه قال: أيما قرية فيها أربعون فصاعدا عليهم إمام يقضي بينهم فليخطب، وليصل ركعتين.

                                                                                                                                                                              ففي هذه الرواية عن عمر أنه ذكر إماما يقضي بينهم، ولم يشترط ذلك الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، واشترط الشافعي شروطا لم يذكرها عمر بن عبد العزيز ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                                                                              وفيه قول خامس: وهي الرواية الرابعة عن عمر بن عبد العزيز ، كتب عمر: أيما قرية اجتمع فيها خمسون رجلا فليؤمهم رجل منهم، وليخطب عليهم، وليصل بهم الجمعة.

                                                                                                                                                                              وفيه قول سادس: وهو إذا لم يحضر الإمام إلا ثلاثة صلى الإمام بهم الجمعة، قال الوليد: سألت الأوزاعي عن إمام الجمعة لم [ ص: 31 ] تحضره جماعة؟ قال: فليجمع بهم قلوا أو كثروا، قيل له: وإن لم يكن إلا ثالث ثلاثة؟ قال: نعم. وحكى غير الوليد عن الأوزاعي أنه قال: إذا كانوا ثلاثة فليجمعوا إذا كان فيهم أميرهم.

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول: الجمعة كسائر الصلوات إلا أن فيها خطبة، وقصر من الأربع، فمتى كان إمام وخطب بهم صلى الجمعة، واحتج بحديث أبي هريرة أنه كتب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن الجمعة بالبحرين، فكتب إليه أن جمعوا حيثما كنتم، وقد روينا عن مكحول أنه قال: إذا كانت القرية فيها الجماعة صلوا الجمعة ركعتين، وسئل مالك عن القرية التي تكون فيها جماعة من المسلمين، قال مالك : إنا نقول: إذا كان فيها مسجد يقيمون الصلاة يجمعون فيه، وأسواقها قائمة وبيوتها متصلة ليس كبيوت أهل البادية، فأرى أن يجمعوا، وقال مالك في القرية التي اتصل دورها: فأرى أن يجمعوا الجمعة، كان عليهم وال أو لم يكن.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ورأيت في حكايات الميموني عن أحمد أنه قال: كان عكرمة يقول: إذا كانوا سبعة جمعوا، قال: ورأيته كأنه يعجبه، وحكاية أحمد قول عكرمة قول سابع.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : أوجب الله على الخلق اتباع كتابه وسنن نبيه صلى الله عليه وسلم، قال الله جل ذكره: ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) [ ص: 32 ] ، وقال الله جل ذكره: ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) ، فاتباع ظاهر كتاب الله عز وجل يجب، ولا يجوز أن يستثنى من ظاهر الكتاب جماعة دون عدد جماعة بغير حجة، ولو كان الله في عدد دون عدد مراد لبين ذلك في كتابه، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فلما عم ولم يخص كانت الجمعة على كل جماعة في دار إقامة على ظاهر الكتاب، وليس لأحد مع عموم الكتاب أن يخرج قوما من جملته بغير حجة يفزع إليها، وهذا يلزم من مذهبه القول بعموم الكتاب، وأن لا يحال ظاهر منه إلى باطن، ولا عام إلى خاص إلا بكتاب أو سنة أو اتفاق.

                                                                                                                                                                              وقد اختلفت الروايات في هذا الباب عن عمر بن عبد العزيز وقد ذكرناها، ولو لم تختلف الروايات عنه ما وجب الاستثناء من ظاهر الكتاب بقوله، وليس لاحتجاج من احتج بقصة أسعد في أن لا تجزئ جمعة بأقل من أربعين؛ حجة؛ إذ ليس في شيء من الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا كان عددهم كذا أن يصلوا، وإن نقصوا من ذلك العدد لم يصلوا، إنما كتب أن يصلي بمن معه، ولو ورد كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وعددهم أقل من أربعين فترك أن يصلي بهم، لكان تاركا لما أمره به.

                                                                                                                                                                              ودفع بعض أهل العلم قول من زعم أن الجمعة إنما تصلى في مصر أو مدينة يكون فيها قاضي ينفذ الأحكام ويقيم الحدود، بأن بعض أصحابه [ ص: 33 ] قد صلى بالمدينة الجمعة وليس فيها منبر ولا قاضي، ولا كانت الحدود تقام بها في ذلك الوقت.

                                                                                                                                                                              1740 - حدثنا نصر بن زكريا ، قال: نا أبو سلمة يحيى بن خلف ، قال: نا عبد الأعلى ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه أبي أمامة، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، قال: "كنت قائد أبي حين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة ودعا له، فمكثت حينا أسمع ذلك منه، فقلت في نفسي: إن ذا لعجز، إني أسمعه كلما سمع الأذان للجمعة استغفر لأبي أمامة ويصلي عليه، ولا أسأله عن ذلك لم هو؟ قال: فخرجت به كما كنت أخرج إلى الجمعة، فلما سمع الأذان استغفر كما كان يفعل، قال: فقلت له: يا أبتاه: أرأيت صلاتك على أسعد كلما سمعت النداء بالجمعة لم هو؟ قال: أي بني كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة في نقيع الخضمات في هزم من حرة [ ص: 34 ] بني بياضة، قال: فكم كنتم يومئذ؟ قال: أربعين رجلا ".

                                                                                                                                                                              وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة وليس فيها منبر، وليس المنبر والقاضي والحدود من أمر الصلاة بسبيل، وقال أحمد بن حنبل : في قول علي: لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع: الأعمش لم يسمعه من سعد .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية