الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في قضاء الوتر بعد طلوع الفجر

                                                                                                                                                                              أجمع أهل العلم على أن ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر.

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن لم يوتر حتى طلع الفجر؛ فقالت طائفة: إذا طلع الفجر فقد فات الوتر. كذلك قال: عطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، وقال مكحول: من أصبح ولم يوتر فلا وتر عليه، وقال سفيان الثوري، وإسحاق، وأصحاب الرأي: الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.

                                                                                                                                                                              2654 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: سئل عن رجل لم يوتر حتى فجر الفجر، قال: قد فاته الوتر فلا يوتر، فقيل له: أعلم أم رأي؟ فحدث حينئذ عن سليمان [بن] [ ص: 189 ] ميناء، عن ابن عمر، قال: إنما هما ركعتان؛ إذا طلع الفجر لا صلاة إلا ركعتان.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن الوتر ما بين صلاة العشاء الآخرة إلى صلاة الصبح. روينا عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الوتر ما بين الصلاتين، وروي عن أبي موسى الأشعري أنه قال: لا وتر بعد الأذان، فأتوا عليا فقال: لقد أغرق في النزع وأفرط في الفتيا، الوتر ما بيننا وبين صلاة الغداة، وروي عن ابن عباس : أنه أوتر بعد طلوع الفجر، وروي ذلك عن ابن عمر، وممن روي عنه أنه أوتر بعد طلوع الفجر عبادة بن الصامت، وأبو الدرداء ، وحذيفة، وابن مسعود، وعائشة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة.

                                                                                                                                                                              2655 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة قال: جاء نفر إلى أبي موسى الأشعري: فسألوه عن الوتر، فقال: لا وتر بعد الأذان، فأتوا عليا فأخبروه، فقال: لقد أغرق في النزع وأفرط في الفتيا، الوتر ما بيننا وبين صلاة الغداة.

                                                                                                                                                                              2656 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن أشعث بن [ ص: 190 ] أبي الشعثاء وأبي حصين، عن الأسود بن هلال، قال: قال عبد الله: الوتر ما بين الصلاتين.

                                                                                                                                                                              2657 - وحدثنا أبو أحمد، قال: أخبرنا محاضر، قال: ثنا عاصم، عن لاحق، عن ابن عمر، قال يوما: ما أوترت حتى أصبحت.

                                                                                                                                                                              2658 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن عطاء أن ابن عباس أوتر بعد طلوع الفجر.

                                                                                                                                                                              2659 - حدثنا سليمان بن داود، قال: ثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن سعيد بن جبير أن عبد الله بن عباس رقد ثم استيقظ، ثم قال لخادمه: انظر ما صنع الناس، وقد كان يومئذ ذهب بصره، فذهب الخادم، ثم رجع فقال: قد انصرف الناس من الصبح، فقام عبد الله بن عباس فأوتر، ثم صلى الصبح.

                                                                                                                                                                              2660 - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا حماد بن سلمة قال: حدثتنا أم شبيب، عن عائشة قالت: إني لأوتر وأنا أسمع الصرخة. [ ص: 191 ]

                                                                                                                                                                              2661 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا يحيى، أن عبد الله بن هبيرة الشيباني أخبره، أن عبادة بن الصامت خرج إلى المسجد وكان إمام قومه، وهو يظن أن عليه (ليل) ، فلما رآه المؤذن ذهب يقيم فكفه عبادة ثم أوتر، ثم تقدم فصلى الركعتين قبل الفجر، ثم (أمر) فأقام.

                                                                                                                                                                              2662 - حدثني علي، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة أن أبا الدرداء قال: [إني] لأوتر وقد صف الناس في صلاة الفجر.

                                                                                                                                                                              2663 - حدثنا يحيى بن محمد، قال: ثنا الحجبي، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة أنها قالت: ما أوتر إلا بين الأذان والإقامة. وما يؤذنون حتى يصبحوا. [ ص: 192 ]

                                                                                                                                                                              وكان مالك، والشافعي، وأحمد يقولون: يوتر ما لم يصل الصبح. وحكي عن سفيان الثوري أنه قال: إن أوترت بعد طلوع الفجر فلا بأس. وهكذا قال الأوزاعي . وقال النخعي، والحسن، والشعبي: إذا صلى الغداة فلا يوتر. وقال أيوب السختياني، وحميد الطويل: إن أكثر وترنا لبعد طلوع الفجر.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو أن يصلي الوتر وإن صلى الصبح. كذلك قال طاوس وقيل لأحمد بن حنبل: قال سفيان : اقض الوتر إذا طلعت الشمس، قال أحمد: لا، وقال إسحاق: كما قال أحمد. وقال النعمان: إذا صلى الفجر ولم يوتر، ثم ذكر الوتر فعليه قضاء الوتر.

                                                                                                                                                                              وفيه قول رابع: وهو أن يصلي الوتر وإن طلعت الشمس. روي هذا القول عن: عطاء، وطاوس، ومجاهد، والحسن، والشعبي، وحماد بن أبي سليمان، وبه قال الأوزاعي، وأبو ثور.

                                                                                                                                                                              وفيمن فاته الوتر حتى صلى الصبح قول خامس، قاله سعيد بن جبير، قال: يوتر من القابلة.

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن ذكر الوتر وهو في صلاة الصبح؛ فقالت طائفة: ينصرف فيوتر، ثم يصلي الصبح. روي هذا القول عن الحسن البصري . [ ص: 193 ] وقال: مالك: إذا نسي وتر ليلته وهو في صلاة الصبح قطع، ثم يوتر، ثم يصلي الصبح، وكذلك يفعل إن كان خلف إمام، وإن كان في فضل الجماعة؛ لأن الوتر سنة.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وليس ذلك بواجب عليه في مذهبه، إنما يستحب ذلك.

                                                                                                                                                                              وحكى أبو ثور عن الشافعي فيمن صلى الفجر وعليه الوتر أن صلاته تامة، وكذلك قال أبو ثور.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وهذا قول عامة أصحابنا، بل لا يجوز عند الخروج من فرض هو فيه إلى تطوع لا يجب عليه، وحكى أبو ثور عن أبي يوسف ومحمد أنهما قالا: صلاته تامة ويوتر إن شاء.

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن نسي العشاء فأوتر ثم صلى العشاء؛ فقالت طائفة: لا يعيد الوتر. كذلك قال سفيان الثوري، والنعمان.

                                                                                                                                                                              وقال مالك: يعيد الوتر. وكذلك قال يعقوب ومحمد: أنه يعيد الوتر، وإن ذكر بعد أيام.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: إذا نسي العشاء فصلى الوتر، ثم ذكر؛ صلى العشاء وأعاد الوتر استحبابا؛ لأن النبي عليه السلام سن أن الوتر بعد صلاة العشاء الآخرة [ ص: 194 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية