الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر صلاة العاري لا يجد ما يستتر به

                                                                                                                                                                              واختلفوا في القوم يخرجون من البحر عراة، فقالت طائفة: يصلون قعودا، روي هذا القول عن ابن عمر.

                                                                                                                                                                              2405 - حدثنا محمد بن علي، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر في قوم عراة خرجوا من البحر قال: يصلون قعودا، ويومئون إيماء. [ ص: 63 ]

                                                                                                                                                                              وبه قال عطاء بن أبي رباح، وعكرمة، وقتادة، وكذلك قال الأوزاعي .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: يومئون إيماء السجود أخفض من الركوع، وإن صلوا قياما يجزئهم، إلا أن أفضل ذلك أن يصلوا قعودا يومئون وحدانا.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: يصلون قياما. كذلك قال مجاهد، وقد سأله عمر بن عبد العزيز عنه.

                                                                                                                                                                              وروي ذلك عن عطاء، والرواية الأولى أثبت عن عطاء. وكما قال مجاهد قال مالك، والشافعي.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: حكاه ابن جريج قال: وقال آخرون: إن أمهم أحدهم عريانا فليقم إمامهم (في) الصف وسطه، ويجعلوه صفا [ ص: 64 ] واحدا إن شاؤوا قياما، وإن شاؤوا قعودا، وليغض بعضهم عن بعض.

                                                                                                                                                                              واختلفوا في القوم يخرجون من البحر عراة؛ فقالت طائفة: يصلون جماعة. روينا هذا القول عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                              2406 - وحدثونا عن إسحاق، قال: أخبرنا الحماني، قال: حدثنا النضر أبو عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس : أنه سئل عن قوم خرجوا من البحر عراة قال: يصلون جماعة جلوسا؛ يومئون إيماء.

                                                                                                                                                                              وبه قال قتادة، والشافعي: أن يصلوا جماعة.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: يصلون فرادى. كذلك قال الأوزاعي، وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: قاله مالك، قال: يصلون فرادى، يتباعد بعضهم عن بعض ويصلون قياما، وإن كان ذلك في ليل مظلم لا يتبين بعضهم من بعض؛ صلوا جماعة، وتقدمهم إمامهم.

                                                                                                                                                                              وكان قتادة، والشافعي يقولان: يقوم إمامهم معهم في الصف. [ ص: 65 ]

                                                                                                                                                                              وقال آخر: السنة أن الإمام يتقدمهم، فلا نزيل السنة لعجزهم عن السترة. واختلفوا في ركوع العراة وسجودهم؛ فكان مالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل يقولون: يركعون ويسجدون ولا يومئون.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: يومئون إيماء. روينا هذا القول عن ابن عمر، وابن عباس، وبه قال قتادة، وإسحاق، وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: يصلي العريان قائما، يركع ويسجد، لا يجزئه غير ذلك؛ للثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا".

                                                                                                                                                                              2407 - أخبرنا أحمد بن داود الشيباني ، قال: ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا وكيع، عن إبراهيم بن طهمان، عن حسين المعلم، عن ابن بريدة، عن عمران بن حصين، قال: كان بي الناصور فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: فغير جائز أن يصلي قاعدا من أمر بالصلاة قائما، فإن فعل فعليه الإعادة؛ لأنه صلى قاعدا بغير حجة، وقد أمر بالصلاة قائما. ولا يثبت عن ابن عمر، وابن عباس ما روي عنهما، أما حديث ابن [ ص: 66 ] عباس، فإنما رواه النضر بن عبد الرحمن أبو عمر الخزاز الكوفي ، قال يحيى بن معين: النضر بن عبد الرحمن أبو عمر الخزاز ليس يحل لأحد أن يروي عنه، وقال محمد بن إسماعيل : النضر أبو عمر روى عنه الحماني، منكر الحديث. ولو ثبت لم يجز أن يترك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد.

                                                                                                                                                                              ويصلون جماعة يركعون ويسجدون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال قولا عاما يدخل فيه كل جماعة: "صلاة الجميع تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة". وقد أمر الله في كتابه بالركوع والسجود، فغير جائز الانتقال عنه إلى الإيماء بغير حجة، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون الإمام أمام المأموم، وحال هؤلاء إذا كانوا عراة حال ضرورة، فإن تقدم إمامهم فصلى بهم أجزأتهم صلاتهم، ويغضون أبصارهم عنه، وإن قام وسطهم فهو أستر له وأحرى؛ لئلا ترى عورته، ولو فعل ذلك إمام في غير حال الضرورة أجزأتهم صلاتهم، فعل ذلك عبد الله بن مسعود - في غير حال الضرورة - بعلقمة والأسود، وبه قال النخعي، وإن كانت السنة دالة على غير ذلك، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجابر بن عبد الله وبجبار بن صخر فأقامهما خلفه، وقد ذكرت إسناده في كتاب الإمامة [ ص: 67 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية