الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الصلاة على من قتل في حد، وولد الزنا،

                                                                                                                                                                              ومن قتل نفسه، وغير ذلك

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: واختلفوا في الصلاة على من قتل في حد؛ فروينا عن علي بن أبي طالب أنه قال لأولياء شراحة المرجومة: اصنعوا بها ما تصنعون بموتاكم.

                                                                                                                                                                              وقال جابر بن عبد الله: صل على من قال لا إله إلا الله.

                                                                                                                                                                              3075 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن الشعبي قال: لما رجم علي شراحة الهمدانية جاء أولياؤها فقالوا: كيف نصنع بها؟ فقال لهم علي: اصنعوا بها ما تصنعون بموتاكم - يعني غسلها والصلاة عليها وما أشبه ذلك.

                                                                                                                                                                              3076 - حدثنا إسماعيل، قال: ثنا أبو بكر، قال: ثنا حفص بن غياث، عن أشعث، عن أبي الزبير عن جابر - قال: سألته عن المرأة تموت في نفاسها من الفجور أيصلى عليها؟ قال: صل على من قال: لا إله إلا الله.

                                                                                                                                                                              وممن رأى أن يصلى على جميع من أصيب في حد: الأوزاعي، والشافعي، وإسحاق. وقال عطاء في ولد الزنا إذا استهل، وأمه، والمتلاعنين، والذي يقاد منه، وعلى المرجوم، والذي يزاحف فيفر [ ص: 444 ] ويقتل، وعلى الذي يموت موتة سوء: لا أدع الصلاة على من قال: لا إله إلا الله؛ قال: ( من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) قال: فمن يعلم أن هؤلاء من أصحاب الجحيم؟! وقال عمرو مثل قول عطاء. وقال النخعي: لم يكونوا يحجبون الصلاة على أحد من أهل القبلة. وقال الأوزاعي : يصلى على المرجوم وعلى المصلوب إذا أنزل من خشبته. وقال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي في المرجوم: يغسل، ويكفن، ويصلى عليه. وقال الشافعي : لا نترك الصلاة على أحد ممن يصلي [إلى] القبلة برا كان أو فاجرا.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: كان الزهري يقول: يصلى على الذي يقاد منه في حد، إلا من أقيد منه في رجم. وقال مالك في الرجل يقتل قودا: لا يصلي عليه الإمام، ويصلي عليه أهله إن شاؤوا غيرهم. وقال مالك: من قتله الإمام على حد من الحدود فلا يصلي الإمام عليه، وليصل عليه أهله.

                                                                                                                                                                              وقال أحمد في ولد الزنا والذي يقاد منه في حد: يصلى عليه، إلا أن الإمام لا يصلي على قاتل نفس، ولا على غال. قال إسحاق: يصلى على كل. [ ص: 445 ]

                                                                                                                                                                              وكان الحسن البصري يقول في امرأة ماتت في نفاسها من الزنا: لا يصلى عليها، ولا على ولدها. وقال يعقوب : من قتل من هؤلاء المحاربين - أو صلب - لم يصل عليه، وإن كان يدعي الإسلام، وكذلك الفئة الباغية لا يصلى على قتلاها. وكذلك قال النعمان.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة على المسلمين ولم يستثن منهم أحد، وقد دخل في حكمهم الأخيار والأشرار، ومن قتل في حد، ولا نعلم خبرا يوجب استثناء أحد ممن ذكرناه، فيصلى على من قتل نفسه، وعلى من أصيب في أي حد أصيب فيه، وعلى شارب الخمر، وولد الزنا، لا يستثنى منهم إلا من استثناه النبي صلى الله عليه وسلم من الشهداء الذين أكرمهم الله بالشهادة، وقد ثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى [على] من أصيب في حد.

                                                                                                                                                                              3077 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين، أن امرأة من جهينة اعترفت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا، فأمر بها فرجمت، ثم صلى عليها، فقال عمر: يا رسول الله! رجمتها ثم تصلي عليها؟! فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة وسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها؟!".

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الصلاة على ولد الزنا؛ فقال أكثر أهل العلم: يصلى عليه. [ ص: 446 ]

                                                                                                                                                                              كذلك قال عطاء، والزهري، والنخعي، ومالك، والشافعي وأحمد، وإسحاق. وكان قتادة يقول: لا يصلى عليه.

                                                                                                                                                                              واختلف فيه عن ابن عمر فقيل: أنه صلى عليه، وروي عنه أنه كان لا يصلي عليه.

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الصلاة على من قتل نفسه؛ فكان الحسن، والنخعي، وقتادة يرون الصلاة عليه.

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : لا يصلى عليه. وذكر أن عمر بن عبد العزيز لم يصل عليه.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية