الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر ما يفعل بالمحرم إذا مات

                                                                                                                                                                              2931 - أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عباس يقول: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فخر رجل عن بعير، فوقص فمات فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه" قال: فزاد ابن أبي حرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وخمروا وجهه، ولا تخمروا رأسه، ولا تمسوه طيبا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا".

                                                                                                                                                                              حدثني علي، عن أبي عبيد أنه قال: الوقص: كسر العنق، ومنه قيل للرجل: أوقص إذا كان مائل العنق قصيرها.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد اختلف أهل العلم في تخمير رأس المحرم الميت وتطييبه؛ فقالت طائفة: يصنع به كما يصنع بسائر الموتى. هذا قول عائشة، وبه قال ابن عمر، وطاوس، والأوزاعي، وأصحاب الرأي. وقال مالك: لا بأس بأن يحنط الحلال المحرم الميت بالطيب [ ص: 367 ]

                                                                                                                                                                              2932 - حدثنا علي، قال: حدثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أنها قالت: إنما هو جسد، فاصنعوا به ما تصنعون بموتاكم.

                                                                                                                                                                              2933 - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: ثنا أحمد بن يونس، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت: يكفن المحرم كما يكفن غير المحرم.

                                                                                                                                                                              2934 - حدثنا علي، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه غسل [ابنا] له مات وهو محرم - يقال له واقد - فغطى رأسه، وصنع به ما يصنع بالحلال، إلا أنه لم يمسه طيبا؛ لأنهم كانوا محرمين.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا يغطى رأسه، ولا يمس طيبا، روي هذا القول عن علي، وقال ابن عباس: لا يغطى رأسه، وقال: الشافعي : لا يمس بطيب، ولا يخمر رأسه. وبه قال أحمد، وإسحاق.

                                                                                                                                                                              2935 - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن الحجاج، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، قال: يغسل بالماء والسدر، ولا يغطى رأسه، ولا يمس طيبا. [ ص: 368 ]

                                                                                                                                                                              2936 - حدثنا محمد بن علي، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إذا مات المحرم لم يغط رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة يلبي.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وبما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول.

                                                                                                                                                                              وكان الثوري يميل إلى القول بالحديث.

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن عطاء بن أبي رباح قولا ثالثا: وهو أن يغسل بالماء، ويكفن، ويغطى رأسه، ولا يحنط.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: حديث ابن عباس يدل على معان: يدل على إباحة اغتسال المحرم الحي بالماء والسدر، خلاف قول من كره السدر للمحرم؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن لا يخمروا رأسه، ولا يقربوه طيبا كفعل المحرم الحي.

                                                                                                                                                                              ويدل على إباحة تكفين الميت في الشفع من الثياب.

                                                                                                                                                                              ويدل على أن الكفن من رأس المال؛ لأنه بدأ فأمر أن يكفن في ثوبيه.

                                                                                                                                                                              ويدل على استحباب أن يكفن المحرم في الثياب التي أحرم فيها.

                                                                                                                                                                              ويدل على أن إحرامه قائم وإن كان ميتا؛ لأنه أمر أن يجتنب بعد وفاته ما كان يجتنبه في حياته، وأخبر بأنه يبعث يوم القيامة ملبيا.

                                                                                                                                                                              وقد اختلفوا في تخمير وجهه؛ فأما من قال: إذا مات المحرم ذهب إحرامه، فلا معنى للمسألة عن مذهبه؛ لأنه يرى أن يفعل به كما يفعل بسائر الموتى. وقياس قول من رأى أن للمحرم الحى أن يخمر وجهه أن يقول يخمر وجه المحرم الميت. [ ص: 369 ]

                                                                                                                                                                              وممن كان لا يرى بأسا أن يخمر المحرم وجهه سعد بن أبي وقاص، وجابر بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وطاوس، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.

                                                                                                                                                                              وكرهت طائفة من أصحاب الحديث أن يخمر المحرم وجهه، وأن يخمر وجه المحرم الميت، واحتج بعضهم بأحاديث منها:

                                                                                                                                                                              2937 - ما حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، قال: ثنا قبيصة، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في محرم مات قال: "لا تخمروا وجهه، واغسلوه بماء وسدر؛ فإنه يبعث يوم القيامة يلبي".

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية