الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1904 - أنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا مسدد ، نا أبو الأحوص ، نا الأشعث، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة ، قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم، عن الجدر، أمن [ ص: 109 ] البيت هو؟ قال: "نعم".

                                                                            قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: "إن قومك قصرت بهم النفقة".

                                                                            قلت: فما شأن بابه مرتفعا؟ قال: "فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاؤوا، ويمنعوا من شاؤوا، ولولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت، وأن ألصق بابه بالأرض".


                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم، عن سعيد بن منصور ، عن أبي الأحوص ، عن أشعث بن أبي الشعثاء.

                                                                            ورواه عبد الله بن الزبير ، عن خالته عائشة ، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا أن قومك حديثوا عهد بشرك، لهدمت الكعبة، فألزقتها بالأرض، وجعلت لها بابين، بابا شرقيا، وبابا غربيا، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة". [ ص: 110 ]

                                                                            .

                                                                            أراد بالجدر: الحجر.

                                                                            وفي الحديث دليل على جواز ترك بعض ما هو الأولى، إذا لم يكن فريضة، عند خوف الفساد من فعله.

                                                                            وفي قوله: "وأن ألصق بابه بالأرض"، بيان أن الناس غير محجوبين في حق الدين من دخول البيت أي وقت شاؤوا، كما أن الحجر جزء من البيت، ولا يحل لأحد أن يحجب الناس عنه، وما يأخذه السدنة من الناس على دخول البيت لا يطيب لهم، وإنما يجب أجرهم على ما يتولونه من القيام بمصالحه في بيت المال.

                                                                            وقال أبو العالية الرياحي في قوله سبحانه وتعالى: ( فأن لله خمسه ) ، قال: السهم المضاف إلى الله تعالى، إنما هو للكعبة، بيت الله عز وجل.

                                                                            وأكثر أهل العلم على أنه أضاف الخمس إلى نفسه لشرفه، وسهم الله وسهم رسوله واحد.

                                                                            وعلى هذا القياس أمر المساجد، والمشاهد الرباطات، والمنازل التي ينتابها الناس لإقامة عبادة، أو لنفع وارتفاق، والآبار، والحياض المسبلة في المفاوز، وليس لأحد أن يأخذ ممن يأتيها شيئا إلا أن يستأجره رجل، أو يعطيه شيئا على قيامه بمصالحه من سقي ماء، أو تنظيف مكان، أو نحوه.

                                                                            قال الإمام: والعمل على هذا عند أهل العلم، أنه لا يستلم إلا الحجر الأسود، والركن اليماني، وروي عن معاوية ، أنه كان يمسح الأركان كلها، وقال: ليس شيء من البيت مهجورا، وكذلك ابن الزبير كان يمسح [ ص: 111 ] الأركان كلها، والأول أولى للسنة.

                                                                            وروي عن سالم، عن ابن عمر ، أنه أخبر بقول عائشة : إن الحجر بعضه من البيت.

                                                                            فقال ابن عمر : والله إني لأظن إن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يترك استلامهما إلا أنهما ليسا على قواعد البيت، ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك.
                                                                            [ ص: 112 ]

                                                                            .

                                                                            وروي عن ابن عباس ، أنه قال في الحجر: من البيت، وقال الله عز وجل: ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) .

                                                                            وقد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر.

                                                                            وهذا قول عامة أهل العلم أن الطواف في الحجر لا يحسب.

                                                                            ويروى عن ابن عمر ، أنه كان يزاحم على الركنين، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "إن مسحهما كفارة للخطايا"، ومعنى الاستلام: هو التمسح بالسلمة، وهي الحجارة، وقال الأزهري: وهو افتعال من السلام، وهو التحية، كأنه إذا استلمه اقترأ منه السلام، وأهل اليمن يسمون الركن الأسود المحيا، أي: الناس يحيونه.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية