الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب النيابة في الحج عن الحي العاجز وعن الميت.

                                                                            1854 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك، عن ابن شهاب ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن عباس ، أنه قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "نعم"، وذلك في حجة الوداع.

                                                                            هذا حديث صحيح متفق عليه، أخرجه محمد، عن عبد الله بن يوسف ، وأخرجه مسلم، عن يحيى بن يحيى ، كلاهما عن مالك [ ص: 26 ] وفي هذا الحديث دليل على أن الحج من فرائض الإسلام كالصلاة، والزكاة، والصوم، والأمة مجمعون عليه، لقوله سبحانه وتعالى: ( ولله على الناس حج البيت ) .

                                                                            والحج فرض العمر، لا يجب في العمر إلا مرة واحدة، إلا أن ينذر، فيلزم بالنذر، روي عن ابن عباس ، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج"، فقام الأقرع بن حابس، فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: "لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها، ولم تستطيعوا أن تعملوا بها، الحج مرة، فمن زاد فتطوع".

                                                                            وفي الحديث دليل على أنه يجوز للإنسان أن يحج عن غيره إذا كان المحجوج عنه عاجزا عن أدائه بنفسه، بأن كان ميتا، أو حيا به علة لا يرجى زوالها من زمانة، أو كبر لا يستطيع معه الحج، وهو قول ابن المبارك ، والشافعي ، وذهب مالك، والثوري ، وأحمد، وإسحاق إلى أنه لا يجوز أن يحج عن الحي العاجز، ويجوز عن الميت، وقال مالك: إنما [ ص: 27 ] يحج عن الميت إذا أوصى به، وإذا أوصى يقضى من الثلث، وقال النخعي ، وابن أبي ذئب: لا يحج أحد عن أحد، ويروى عن النخعي مثل قول مالك.

                                                                            وفيه دليل على أن الزمن يلزمه فرض الحج.

                                                                            لأنها قالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا.

                                                                            تريد أسلم وهو شيخ كبير، وهو قول الشافعي ، قال: إذا كان للزمن مال يستأجر به من يحج عنه، أو لم يكن له مال وبذل له بعض أولاده الطاعة للحج عنه، لزمه فرض الحج؛ لأن المرأة أخبرت بوجوب الحج على أبيها، ووجوبه يكون بأحد الأمور الثلاثة إما بالمال، أو بقوة البدن، أو ببذل طاعة من ذي قوة، فعجزه بالبدن كان ظاهرا، ولم يجر للمال ذكر، إنما جرى ذكر طاعتها، وبذلها نفسها، دل على أن الوجوب تعلق بها، وحصل بها الاستطاعة كما يقال في عرف اللسان: فلان مستطيع لأن يبني داره إذا كان يجد من يطيعه في بنائها، أو يقدر على مال ينفق فيه، كما لو قدر عليه بنفسه.

                                                                            وقال مالك، وأبو حنيفة : لا يجب الحج على الزمن ابتداء، وعند مالك إذا زمن بعد الوجوب يسقط، وعند أبي حنيفة لا يسقط، والحديث حجة لمن ذهب إلى الوجوب.

                                                                            وفيه دليل على أن حج المرأة عن الرجل يجوز، وزعم بعض أهل العلم أنه لا يجوز؛ لأن المرأة تلبس في الإحرام ما لا يلبسه الرجل، فلا يحج عنه إلا رجل مثله. [ ص: 28 ]

                                                                            .

                                                                            وروي عن أبي رزين العقيلي، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة، ولا الظعن، قال: "حج عن أبيك واعتمر".

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية