الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1993 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك، عن أبي الزبير المكي ، عن جابر بن عبد الله ، أن عمر بن الخطاب "قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي الجربوع بجفرة". [ ص: 272 ]

                                                                            .

                                                                            العناق: الأنثى من أولاد المعز، والجفرة: الأنثى من أولاد المعز إذا بلغت أربعة أشهر.

                                                                            وروي عن عثمان، أنه قضى في أم حبين بحلان من الغنم.

                                                                            وأم حبين: دويبة على خلقة الحرباء عريضة البطن، والحبن: عظم البطن، والحلان والحلام: ولد المعزى، ويقال: الحلام: الحمل.

                                                                            وعن عروة بن الزبير ، أنه قال: في بقرة الوحش بقرة، وفي الشاة من الظباء شاة.

                                                                            قال مالك: ولم أزل أسمع أن في النعامة إذا قتلها المحرم بدنة، وهذا كله دليل على أن المثل المجهول في الصيد إنما هو من طريق الخلقة، لا من طريق القيمة، فإن هذه الأعيان من الغنم جزاء لما أصابه من هذه الصيود، سواء وفت بقيمتها، أو لم تف بها، ولو كان الأمر موكولا إلى الاجتهاد، لأشبه أن يكون بدله مقدرا.

                                                                            وممن ذهب إلى إيجاب المثل من النعم: عمر، وعثمان ، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف ، وابن عمر ، وابن عباس ، وغيرهم من الصحابة حكموا في بلدان مختلفة، وأزمان شتى بالمثل من النعم، فحكم حاكمهم في النعامة ببدنة وهي لا تساوي بدنة، وفي حمار الوحش ببقرة وهي لا تساوي بقرة، وفي الضبع بكبش وهي لا تساوي كبشا، فدل أنهم نظروا إلى ما يقرب من الصيد المقتول شبها من حيث الخلقة. [ ص: 273 ]

                                                                            .

                                                                            قال الشافعي : وفي صغار أولادها صغار أولاد هذه.

                                                                            وإذا أصاب صيدا أعور، أو مكسورا، فداه مثله، والصحيح أحب إلي، وهو قول عطاء، وقال مالك: كل شيء فدي، ففي أولاده مثل ما يكون في كباره، كما أن دية الصبي الصغير والكبير سواء.

                                                                            ولو اشترك جماعة من المحرمين في قتل صيد لا يجب عليهم إلى جزاء واحد، وهو قول ابن عمر ، وإليه ذهب الشافعي ، وقال مالك: يجب على كل واحد جزاء، كما لو قتلوا رجلا يجب على كل واحد كفارة.

                                                                            قال رحمه الله: ثم هو في الجزاء مخير بين أن يذبح المثل من النعم، فيتصدق بلحمه على مساكين الحرم، وبين أن يقوم المثل دراهم والدراهم طعاما، فيتصدق بالطعام على مساكين الحرم، أو يصوم عن كل مد من الطعام يوما.

                                                                            وله أن يصوم حيث يشاء، لأنه لا نفع فيه للمساكين.

                                                                            وقال مالك: إن لم يخرج المثل يقوم الصيد، ثم يجعل القيمة طعاما، فيتصدق به، أو يصوم عن كل مد يوما، وقال أبو حنيفة : يقوم الصيد، فإن شاء، صرف قيمتها إلى شيء من النعم، وإن شاء إلى الطعام، فتصدق به على كل مسكين بنصف صاع من بر، أو صاع من غيره، وإن شاء، صام عن كل نصف صاع بر، أو صاع من غيره يوما، وروي ذلك عن ابن عباس ، أنه يقوم الصيد دراهم، والدراهم طعاما، فيصوم بكل نصف صاع يوما.

                                                                            روي عن أبي موسى الأشعري ، أنه قال في بيضة النعامة يصيبها المحرم: صوم يوم، أو إطعام مسكين، ومثله عن ابن مسعود . [ ص: 274 ]

                                                                            .

                                                                            وروي عن ابن عباس أن غلاما من قريش قتل حمامة من حمام مكة ، فأمر أن يفدى عنه بشاة، ومثله عن عمر، وعثمان في حمام مكة .

                                                                            والحمام: كل ما عب وهدر.

                                                                            وأما غير الحمام من صيد الطير إذا أصابه المحرم، أو في الحرم، ففيه قيمته يصرفها إلى الطعام، فيتصدق به، أو يصوم عن كل مد يوما وقيل فيما هو أكبر من الحمام من عظام الطير كالكركي، والبط، والحبارى: شاة، وهو قول عطاء.

                                                                            وأما صيد البحر، فحلال للمحرم، قال الله سبحانه وتعالى: ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ) الآية.

                                                                            وكذلك ذبح ما ليس بصيد كالنعم، والدجاج، والخيل حلال للمحرم.

                                                                            واختلفوا في الجراد، فرخص فيه قوم للمحرم أن يصيدها ويأكلها، وقالوا: هي من صيد البحر، يروى ذلك عن كعب الأحبار، وقال: إن هو إلا نثرة حوت ينثر في كل عام مرتين أراد بنثرة الحوت: عطسته. [ ص: 275 ]

                                                                            .

                                                                            وروي عن أبي هريرة بإسناد غريب مرفوعا "الجراد من صيد البحر".

                                                                            وذهب قوم إلى تحريمها على المحرم، فإن أصابها، فعليه صدقة، روي عن زيد بن أسلم أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب ، فقال: يا أمير المؤمنين، إني أصبت جرادات بسوطي وأنا محرم، فقال له عمر: أطعم قبضة من طعام.

                                                                            وسأل رجل عمر بن الخطاب عن جرادة قتلها وهو محرم، فقال عمر لكعب: تعال نحكم، فقال كعب: درهم، وقال عمر: إنك لتجد الدراهم، لتمرة خير من جرادة. [ ص: 276 ]

                                                                            .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية