الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب التلبية.

                                                                            1865 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".

                                                                            قال نافع : وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: " لبيك لبيك لبيك وسعديك، والخير بيديك، لبيك والرغبى إليك والعمل.

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عبد الله بن يوسف ، وأخرجه مسلم، عن يحيى بن يحيى ، كلاهما عن مالك.

                                                                            وروي عن سالم أن عبد الله بن عمر ، كان يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين، ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة، أهل بهؤلاء الكلمات.

                                                                            وكان عبد الله بن عمر ، يقول: كان عمر بن الخطاب يهل بإهلال رسول [ ص: 50 ] الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات، ويقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك، لبيك، والرغباء إليك والعمل".

                                                                            قوله: "لبيك اللهم لبيك"، فيه أربعة أقوال: أحدها: إجابتي لك يا رب، وإقامتي معك مأخوذ من: ألب بالمكان، وألب به: إذا أقام به، ومعنى التثنية فيه، أي: إجابة بعد إجابة، وإقامة بعد إقامة، كما يقال: حنانيك، أي: رحمة بعد رحمة.

                                                                            والثاني معناه: اتجاهي إليك وقصدي، من قولهم: داري تلب دارك، أي تواجهها، والتثنية للتأكيد.

                                                                            والثالث: محبتي لك، من قول العرب: امرأة لبة: إذا ما كانت محبة لولدها.

                                                                            والرابع: إخلاصي لك، من لب الطعام ولبابه، ثم قلبوا الباء الثانية ياءا طلبا للخفة، كما قالوا: تظنيت، وأصلها: تظننت، وقال العجاج: تقضي البازي إذا البازي كسر.

                                                                            وأصله: التقضض. [ ص: 51 ]

                                                                            .

                                                                            وقوله: "إن الحمد"، بكسر الألف، ويجوز بالفتح، والكسر أجود.

                                                                            قال أبو العباس أحمد بن يحيى: من كسر، فقد عم، ومن فتح فقد خص، معناه: أنك إذا كسرت "إن"، وقع بها الابتداء، فالحمد والنعمة عم التلبية، وغيرها، وإذا فتحت، رجع الحمد والنعمة إلى التلبية، أي: لبيك بأن الحمد والنعمة في لبيك لك ويحتمل أن يختار الفتح، لأن الوقوف ليس [ ص: 52 ] بحسن على "لبيك" ولا ردها إلى ما قبلها، فصارت "لبيك" مبتدأ بها، واقعة على أن معناه: لبيك بأن الحمد والنعمة لك فيما وفقتني له من هذه التلبية، والقيام بحق هذه الطاعة.

                                                                            والرغباء: الرغبة والمسألة.

                                                                            واختلف أهل العلم في وجوب التلبية، فذهب قوم إلى أنها واجبة، وبه قال أبو حنيفة ، وقال: من تركها فعليه دم، وذهب آخرون إلى أنها سنة لا شيء على من تركها، وهو قول الشافعي .

                                                                            قال الشافعي : وأحب أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن زاد زائد شيئا من تعظيم الله، فلا بأس، كما زاد ابن عمر في تلبيته.

                                                                            قال الشافعي : فإذا فرغ من التلبية، صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وسأل الله رضاه في الجنة، واستعاذ برحمته من النار.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية