الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1914 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: قدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك، وأخرجاه من طرق، عن عبد الرحمن بن القاسم.

                                                                            والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، قالوا: يجوز للحائض أن تأتي بالمناسك كلها، ولا يجوز لها أن تطوف بالبيت، وفيه دليل على أنها إذا حاضت بعد الطواف بالبيت، جاز لها السعي بين الصفا والمروة حائضا.

                                                                            وروي عن عكرمة ، ومجاهد ، وعطاء ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "النفساء والحائض إذا أتتا على الوقت تغتسلان وتحرمان، وتقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت". [ ص: 125 ]

                                                                            .

                                                                            وروي عن عطاء بن السائب، عن طاوس ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه، فلا يتكلمن إلا بخير".

                                                                            هذا الحديث لا يعرف مرفوعا إلا من حديث عطاء بن السائب، ورواه غيره عن طاوس ، عن ابن عباس ، موقوفا عليه.

                                                                            وفي الحديث دليل على أن طواف المحدث لا يجوز، ولا يحصل به التحلل، وهو قول عامة أهل العلم، سئل مالك، عمن أصابه أمر ينقض وضوءه، وهو يطوف، فقال: من أصابه ذلك، وقد طاف بعض الطواف، أو كله، ولم يركع ركعتي الطواف، فإنه يتوضأ، ثم يستأنف الطواف والركعتين. [ ص: 126 ]

                                                                            .

                                                                            قال: وأما السعي بين الصفا والمروة، فإنه لا يقطع ذلك عليه ما أصابه من انتقاض الوضوء.

                                                                            وقال: وإن كان طوافه تطوعا، وانتقض وضوءه، فإذا أراد أن يتم طوافه، خرج، فتوضأ، ثم استأنف الطواف، وإن لم يرد إتمامه، ترك ولم يطف، وكذلك الصلاة النافلة.

                                                                            وقال أبو حنيفة : إذا طاف جنبا أو محدثا، وفارق مكة لا تلزمه الإعادة، وعليه دم شاة.

                                                                            وعند الشافعي لا يجزئ الطواف إلا بما تجزئ به الصلاة من الطهارة عن الحدث، والنجاسة، وستر العورة، فإن ترك شيئا منها، فعليه الإعادة.

                                                                            والكلام في الطواف مباح، ويستحب أن لا يتكلم إلا بذكر الله، أو حاجة، أو علم، فقد روي عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم " مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقود إنسانا بخزامة في أنفه، فقطعهما بيده، ثم قال: قد بيده. [ ص: 127 ]

                                                                            .

                                                                            قال ابن عمر : أقلوا الكلام في الطواف، فإنما أنتم في صلاة.

                                                                            وقال عطاء فيمن يطوف، فتقام الصلاة، أو يدفع عن مكانه إذا سلم: يرجع إلى حيث قطع عليه، فيبني.

                                                                            ويذكر نحوه عن ابن عمر ، وعبد الرحمن بن أبي بكر. [ ص: 128 ]

                                                                            .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية