الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1991 - أخبرنا ابن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد ، أنا محمد بن عيسى ، نا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، نا مسلم بن الحجاج ، نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا غندر ، عن شعبة ، قال: سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحديا ".

                                                                            هذا حديث صحيح.

                                                                            وروي عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "يقتل المحرم السبع العادي".

                                                                            وروي عن عمر، أنه أمر بقتل الحيات في الحرم.

                                                                            قال الإمام: اتفق أهل العلم على أنه يجوز للمحرم قتل هذه الأعيان المذكورة في الخبر، ولا شيء عليه في قتلها إلا ما حكي عن النخعي ، أنه [ ص: 268 ] قال: لا يقتل المحرم الفأرة، ولم يذكر عنه فيه فدية، وهو خلاف النص، وأقاويل أهل العلم، وقاس الشافعي على ما ورد في الخبر كل سبع ضار، أو عاد يعدو على الناس، وعلى دوابهم مثل الذئب، والأسد، والفهد، والنمر، والخنزير، ونحوها، وقاس عليها كل حيوان لا يؤكل لحمه، فقال: لا فدية على من قتلها في الإحرام أو الحرم، لأن الحديث يشتمل على أعيان بعضها سباع ضارية، وبعضها هوام قاتلة، وبعضها طير لا تدخل في معنى السباع، ولا هي من جملة الهوام، وإنما هو حيوان مستخبث اللحم، وتحريم الأكل يجمع الكل، فاعتبره، ورتب الحكم عليه إلا المتولد بين المأكول من الصيد، وغير المأكول لا يحل أكله ويجب الجزاء بقتله، لأن فيه جزءا من المأكول.

                                                                            وقال مالك: كل ما عقر الناس، وعدا عليهم مثل الأسد، والفهد، والنمر، والذئب، فهو الكلب العقور، فأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع، والثعلب، والهر، وما أشبهها من السباع، فلا يقتلهن المحرم.

                                                                            وقال: ما ضر من الطير، فلا يقتله المحرم إلا ما سمى النبي صلى الله عليه وسلم الغراب، والحدأة، وإن قتل شيئا سواه من النسور، والعقبان، والرخم، فعليه جزاؤه، وقال لا يقتل المحرم الغراب الصغير، وقال سفيان بن عيينة : الكلب العقور كل سبع يعقر، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عتبة بن أبي لهب، فقال: "اللهم سلط عليه كلبا من كلابك"، فافترسه الأسد.

                                                                            وقد روي عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ما يقتل المحرم؟ فذكر هذه الخمسة، قال: "ويرمي الغراب ولا يقتله"، فيشبه أن يكون [ ص: 269 ] أراد به الغراب الصغير الذي يأكل الحب، وكان عطاء يرى فيه الفدية.

                                                                            قال الخطابي: ولم يتابعه على قوله أحد.

                                                                            وقال أصحاب الرأي: لا جزاء بقتل ما ورد في الحديث، وقاسوا عليه الذئب، وقالوا في غيرها من الفهد، والنمر، والخنزير، وجميع ما لا يؤكل لحمه: عليه الجزاء بقتلها، إلا أن يبتدئه شيء منها، فدفعه عن نفسه، فقتله، فلا شيء عليه.

                                                                            وكان عبد الله بن عمر يكره أن ينزع المحرم حلمة، أو قرادا من بعيره، وروي أن عمر كان يقرد بعيرا وهو محرم.

                                                                            وقال مالك: قول عبد الله بن عمر أعجب إلي.

                                                                            وروى الحر بن الصباح، قال: سمعت ابن عمر ، يقول في القملة يقتلها المحرم: يتصدق بكسرة أو قبضة من طعام.

                                                                            ولو صال صيد على محرم، فقتله في الدفع لا جزاء عليه، قال الشعبي ، وإبراهيم: من حل بك، فاحلل به، يعني: من عرض لك، فحل بك، فكن أنت أيضا به حلالا. [ ص: 270 ]

                                                                            .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية