الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1976 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، نا أبو العباس الأصم .

                                                                            ح وأخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، ومحمد بن أحمد العارف ، قالا: أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا ابن عيينة ، أنه سمع عمرو بن دينار ، يقول: سمعت أبا الشعثاء، يقول: سمعت ابن عباس ، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب وهو يقول: "إذا لم يجد المحرم نعلين لبس خفين، وإذا لم يجد إزارا لبس سراويل".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن أبي نعيم، وأخرجه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة جميعا، عن سفيان بن عيينة . [ ص: 239 ]

                                                                            .

                                                                            قال الإمام: والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أنه لا يجوز للرجل المحرم لبس هذه الثياب، ولو لبس عامدا، وجب عليه الفدية وهو دم شاة، ولا بأس بالهميان طاف ابن عمر وقد حزم على بطنه بثوب.

                                                                            قال نافع : لم يكن ابن عمر عقد الثوب عليه، إنما غرز طرفيه على إزاره.

                                                                            وسأل رجل ابن عمر : أخالف بين طرفي ثوبي من ورائي، ثم أعقده وأنا محرم؟ فقال: لا تعقد شيئا.

                                                                            ولم تر عائشة بالتبان بأسا.

                                                                            قال عطاء: يتختم ويلبس الهميان، ويروى عن ابن عمر الكراهية في لبس المنطقة للمحرم، وذلك جائز عند العامة. [ ص: 240 ]

                                                                            .

                                                                            وفي قوله: "ولا البرانس"، بعد ذكر العمائم، دليل على أن لا يجوز تغطية الرأس لا بمعتاد اللباس، ولا بنادره، فإن غطى شيئا منه، فعليه الفدية، وقال أصحاب الرأي: لا فدية في ستر أقل من ربع الرأس.

                                                                            ويجوز للرجل المحرم ستر الوجه عند أهل العلم، روي عن عثمان، أنه غطى وجهه وهو محرم، وهو قول الشافعي ، وذهب قوم إلى أن حرم الرجل في رأسه ووجهه، فلا يجوز له ستر واحد منهما، يروى ذلك عن ابن عمر .

                                                                            أما المرأة، فحرمها في وجهها لا يجوز لها ستر وجهها، ويجوز لها ستر رأسها، فإن احتاجت إلى ستر الوجه لحر أو برد، أو منع أبصار الأجانب، سدلت ثوبا على وجهها متجافيا عن بشرة الوجه، قالت عائشة : "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه"، وقالت: لا تلثم ولا تتبرقع.

                                                                            وممن قال: تسدل الثوب، عطاء، وهو قول مالك، والثوري ، والشافعي ، وأحمد، وإسحاق. [ ص: 241 ]

                                                                            .

                                                                            ولو وضع المحرم يده على رأسه، أو المحرمة على وجهها، فلا شيء عليهما، لأنه لا بد لهما منه في غسل الوجه، ومسح الرأس في الوضوء.

                                                                            ولو وضع على رأسه مكتلا أو طبقا، فاختلفوا فيه.

                                                                            ولا بأس للمحرم أن يستظل، لما روي عن أم الحصين، قالت: رأيت أسامة وبلالا، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى يرمي جمرة العقبة.

                                                                            وهذا قول عامة أهل العلم، وكره مالك، وأحمد للمحرم أن يستظل راكبا.

                                                                            واختلف أهل العلم في أنه، هل يجوز للمرأة لبس القفازين؟ فذهب بعضهم [ ص: 242 ] إلى أنه لا يجوز، فإن لبست، فعليها الفدية، وحرمها في الوجه واليدين، وذهب أكثرهم إلى أن لها ذلك، ولا شيء عليها لو فعلت، وهو أظهر قولي الشافعي ، وجعلوا ذكر القفازين في الحديث من قول ابن عمر ، وقال مالك: عن نافع ، عن ابن عمر : ولا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين. [ ص: 243 ]

                                                                            .

                                                                            ويجوز للمرأة لبس الخمار، والقميص، والسراويل، والخف، ولا شيء عليها، سئلت عائشة : ما تلبس المرأة في إحرامها؟ قالت: تلبس من خزها، وقزها، وأصباغها، وحليها.

                                                                            ولا يجوز للرجل المحرم لبس الخف، بل يلبس النعلين، فلو لم يجد النعلين ومعه خفان يقطعهما أسفل من الكعبين، فيجعلهما كالمكعب، ثم يلبسهما، فلو لبس قبل القطع، فعليه الفدية.

                                                                            واختلفوا في أنه لو لبس الخف المقطوع، أو المكعب مع وجود النعلين، فذهب قوم إلى وجوب الفدية، لأنه لم يؤذن فيه إلا عند عدم النعل، وقال بعضهم: لا شيء عليه، لأنه في معنى النعل، وممن قال بقطع الخف عند عدم النعل مالك، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق.

                                                                            وقال عطاء: إذا لم يجد النعلين يلبس الخفين، ولا يقطعهما، لأن في قطعهما فسادا، وإليه ذهب أحمد بن حنبل ، ولعله ذهب إلى حديث ابن عباس إذ ليس فيه ذكر قطع الخفين، وحديث ابن عمر حديث [ ص: 244 ] صحيح، وفيه أمر بقطع الخفين، ولا فساد فيما أمر به الشرع، أو أذن فيه، إنما الفساد فيما نهت عنه الشريعة، وليس على العباد في أمر الشريعة إلا الاتباع.

                                                                            ولا يجوز للمحرم لبس السراويل مع وجود الإزار، فإن فعل، فعليه الفدية، فإن لم يجد الإزار يجوز له لبس السراويل عند أكثر أهل العلم، ولا فدية عليه، وهو قول عطاء، وإليه ذهب الثوري ، والشافعي ، وأحمد، وإسحاق، لأن مطلق الإذن في لبس السراويل يوجب الإباحة بلا فدية، وقال مالك: ليس له لبس السراويل، وكذلك قال أبو حنيفة ، ويحكى عنه أنه قال: يفتق السراويل، ويتزر به، وهذا لا يصح، لأن مطلق لبس السراويل يحمل على اللبس المعهود دون الاتزار به.

                                                                            قال الإمام في قوله عليه السلام: "ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه ورس أو زعفران"، دليل على أن المحرم ممنوع عن الطيب في بدنه، وثيابه، رجلا كان أو امرأة، ولا يجوز له أكل طعام فيه طيب ظاهر، فإن فعل، فعليه الفدية.

                                                                            ولو شم شيئا من نبات الأرض مما يعد طيبا، كالورد، والزعفران، والورس، فعليه الفدية، ولا شيء في الثمار التي لها رائحة كالسفرجل، والتفاح، والبطيخ، والأترج، شمها أو أكلها.

                                                                            واختلفوا في الريحان، سئل عثمان عن المحرم، هل يدخل البستان؟ قال: نعم، ويشم الريحان، وقال جابر: لا يشم.

                                                                            والعصفر ليس بطيب، روي ذلك عن جابر.

                                                                            ولبست عائشة الثياب [ ص: 245 ] المعصفرة وهي محرمة، وهو قول أكثر أهل العلم، وقال أصحاب الرأي: هو طيب تجب به الفدية.

                                                                            ولو دهن المحرم شعر رأسه أو لحيته بأي دهن كان، فعليه الفدية، فإن دهن جسده، فلا فدية عليه إلا أن يكون فيه طيب.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية