الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2005 - أخبرنا ابن عبد القاهر ، أنا عبد القاهر، أنا عبد الغافر بن محمد ، أنا محمد بن عيسى ، نا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، نا مسلم بن الحجاج ، حدثني سلمة بن شبيب ، نا ابن أعين، نا معقل، عن أبي الزبير ، عن جابر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح".

                                                                            هذا حديث صحيح يؤكده قوله: "وإنما أحلت لي ساعة من النهار"، ولا يجوز أن يكون أبيح له في تلك الساعة أن يريق دما حراما إراقته، بل إنما أبيح له إراقة دم كان مباحا خارج الحرم، وكان دخول الحرم يحرمه، وصار الحرم في حقه بمنزلة الحل في تلك الساعة.

                                                                            واختلف أهل العلم فيمن ارتكب خارج الحرم ما يوجب القتل عليه، ثم دخل الحرم، هل يحل قتله فيه؟ فذهب جماعة إلى أنه يحل ذلك، وروي أن أبا شريح روى هذا الحديث لعمرو بن سعيد حين كان يبعث البعوث إلى مكة ، فقال عمرو: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن [ ص: 303 ] الحرم لا يعيذ عاصيا، ولا فارا بدم، ولا فارا بخربة.

                                                                            والمراد من الخربة: السرقة، والخرابة عندهم: سرقة الإبل خاصة، يقال: رجل خارب، ويسمون اللصوص خرابا.

                                                                            وفي الحديث دليل على أن من قتل مظلوما، فلولي الدم الخيار بين أن يقتل القاتل قصاصا، وبين أن يأخذ الدية، وإذا عفا عن القصاص على الدية يجب على القاتل أداء الدية، روي هذا المعنى عن ابن عباس ، وهو قول سعيد بن المسيب ، والشعبي ، وابن سيرين ، وعطاء ، وقتادة ، وإليه ذهب الشافعي ، وأحمد، وإسحاق، وذهب قوم إلى أنه ليس لولي الدم إلا القصاص، فإن عفا، فلا دية له إلا برضى القاتل، وهو قول الحسن والنخعي ، وإليه ذهب مالك، وأصحاب الرأي.

                                                                            وفي قوله: "فأهله بين خيرتين"، دليل على أن القصاص والدية تثبت لجميع الورثة من الرجال والنساء.

                                                                            وفي قوله: "إن أحبوا قتلوا"، دليل على أنه لا قتل لبعضهم حتى يجتمعوا عليه، فإن كان بعضهم أطفالا ليس للبالغين القصاص حتى يبلغ الأطفال، كما لو كان واحد منهم غائبا، لا قصاص للحاضرين حتى يقدم الغائب، وهو قول الشافعي ، وأحمد، وإسحاق، وقال مالك، وأبو حنيفة : يجوز للبالغ الاستيفاء قبل بلوغ الطفل، وخالف أبا حنيفة صاحباه أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن. [ ص: 304 ]

                                                                            .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية