الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1962 - أخبرنا ابن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد ، نا محمد بن عيسى الجلودي ، نا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، عن مسلم بن الحجاج ، نا يحيى بن يحيى ، أنا حفص بن غياث، عن هشام، عن محمد بن سيرين ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى، فأتى الجمرة، فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: [ ص: 206 ] "خذ"، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس.

                                                                            وفي رواية: ناول الحالق شقه الأيمن، فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري، فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر، فقال: "احلق"، فحلقه، فأعطاه أبا طلحة ، فقال: "اقسمه بين الناس".

                                                                            هذا حديث صحيح.

                                                                            وروي عن ابن عمر ، أنه قال للحالق: يا غلام، أبلغ العظم.

                                                                            قال الشافعي : وهو هذا العظم الذي عند منقطع الصدغين.

                                                                            ووقت الحلق في الحج بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر، فإن كان معه هدي يذبحه بعد الرمي، ثم يحلق، وفي العمرة يحلق بعد الفراغ من السعي بين الصفا والمروة، فإن كان معه هدي يذبحه، ثم يحلق.

                                                                            وترتيب أعماله يوم النحر: أن يرمي الجمرة، ثم يذبح، ثم يحلق، ثم [ ص: 207 ] يأتي مكة ، فيطوف طواف الزيارة، ثم إن لم يكن قد سعى بين الصفا والمروة عقيب طواف القدوم، يجب عليه السعي عقيب طواف الإفاضة، وإن كان قد سعى عقيب طواف القدوم، فلا سعي عليه بعد طواف الإفاضة، إلا أن يشاء.

                                                                            روي عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفاض يوم النحر، ثم رجع، فصلى الظهر بمنى"، وكان ابن عمر يفعل كذلك. [ ص: 208 ]

                                                                            .

                                                                            وروي عن أبي الزبير ، عن عائشة ، وابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم "أخر طواف الزيارة إلى الليل".

                                                                            وعن القاسم، عن عائشة : "أفاض النبي صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق".

                                                                            قال الإمام: اتفق أهل العلم على أنه يجوز تأخير طواف الإفاضة إلى آخر أيام التشريق، ولا شيء عليه، يروى عن أبي حسان، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان "يزور البيت أيام منى". [ ص: 209 ]

                                                                            .

                                                                            ولو أخره إلى ما بعد أيام التشريق، فاختلفوا فيه، فذهب بعضهم إلى أنه لا شيء عليه، وهو قول مالك، والشافعي ، وذهب بعضهم إلى أن عليه دما.

                                                                            قال الإمام: وللحج تحللان، وأسباب التحلل ثلاثة: رمي جمرة العقبة، والحلق، والطواف، فإذا أتى بشيئين من هذه الثلاث، فقد حصل التحلل الأول، وحل له جميع محظورات الإحرام إلا النساء، وإذا أتى بالثلاث حل له النساء، هذا على قول من جعل الحلق نسكا، وعده من أسباب التحلل، فأما من جعله من باب استباحة المحظور، قال: إذا رمى، فقد حصل التحلل الأول، وحل له كل شيء إلا النساء، وإذا رمى وطاف، حل له النساء.

                                                                            وذهب بعض أهل العلم إلى أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة، وذبح، وحلق، حل له كل شيء حرم عليه بسبب الإحرام، إلا النساء والطيب، ويروى ذلك عن عمر رضي الله عنه، وبه قال سالم بن عبد الله ، وقال بعضهم: لا يحل له النساء، والطيب، والصيد، وبه قال مالك.

                                                                            وذهب أكثرهم إلى أنه يحل له الطيب أيضا إلا النساء، لما روي عن عائشة ، قالت: "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت، بطيب فيه مسك"، والحديث صحيح. [ ص: 210 ]

                                                                            .

                                                                            وروي عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا رمى أحدكم جمرة العقبة، فقد حل له كل شيء إلا النساء".

                                                                            وإسناده ضعيف.

                                                                            وأما العمرة، فلها تحلل واحد، فإذا طاف، وسعى، وحلق، فقد حل له جميع محظورات الإحرام، ومن لم يجعل الحلق من أسباب التحلل قال: قد حل بعد السعي. [ ص: 211 ]

                                                                            .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية