الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1883 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا الحميدي، نا الوليد، وبشر بن بكر التنيسي، قالا: نا الأوزاعي ، نا يحيى، حدثني عكرمة ، أنه سمع ابن عباس ، أنه سمع عمر، يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، بوادي العقيق، يقول: " أتاني الليلة آت من ربي، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة ".

                                                                            هذا حديث صحيح [ ص: 74 ] قوله: " عمرة في حجة"، يحتمل أنه أراد مع حجة، ويحتمل أي عمرة يدرجها في حجة، لأن أعمال العمرة تدخل في أعمال الحج إذا قرن.

                                                                            قال رحمه الله: اتفقت الأمة في الحج والعمرة على جواز الإفراد والتمتع والقران، فصورة الإفراد: أن يفرد الحج، ثم بعد الفراغ منه يعتمر، وصورة التمتع: أن يعتمر في أشهر الحج، ثم بعد الفراغ من أعمال العمرة يحرم بالحج من جوف مكة ، فيحج في هذا العام، وصورة القران: أن يحرم بالحج والعمرة معا، أو يحرم بالعمرة، ثم يدخل عليها الحج قبل أن يفتتح الطواف، فيصير قارنا، ولا يجوز إدخال الحج عليها بعد الطواف إلا أن يتحلل منها بعد إتمام أعمالها، ثم يحرم بالحج، فيكون متمتعا، ولا يجوز إدخال العمرة على الحج على أصح القولين، وهو قول مالك، وقال أصحاب الرأي: يجوز، ويصير قارنا.

                                                                            واختلف أهل العلم في الأفضل من هذه الوجوه، فذهب جماعة إلى أن الإفراد أفضل، ثم التمتع، ثم القران، وهو قول مالك، والشافعي ، تقديما لرواية جابر، وعائشة، وابن عمر ، لتقدم صحبة جابر النبي صلى الله عليه وسلم، وحسن سياقه، لابتداء الحديث، وآخره، وفضل حفظ عائشة ، وقرب ابن عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه روي عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من ذي الحليفة إحراما موقوفا، وخرج ينتظر القضاء، فنزل عليه الوحي وهو على الصفا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة ومن كان معه هدي أن يحج. [ ص: 75 ]

                                                                            .

                                                                            قال الشافعي : ومن وصف انتظار النبي صلى الله عليه وسلم القضاء، طلب الاختيار فيما وسع الله من الحج والعمرة، يشبه أن يكون أحفظ.

                                                                            وقد روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج، وأفرد أبو بكر وعمر ، وعثمان .

                                                                            قال أيوب السختياني: سألت القاسم بن محمد عن الرجل يجمع بين الحج والعمرة؟ فقال: ما فعله أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان.

                                                                            وذهب قوم إلى أن القران أفضل، وهو قول الثوري ، وأصحاب الرأي كما رواه أنس.

                                                                            وذهب قوم إلى أن التمتع أفضل، وهو قول أحمد، وإسحاق، قال سعد بن أبي وقاص: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه.

                                                                            واحتج من ذهب إلى أن التمتع أفضل بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لهم: "أحلوا من إحرامكم، واجعلوا الذي قدمتم بها متعة، فلولا أني سقت الهدي، لفعلت الذي أمرتكم"، فلولا أن التمتع أفضل الوجوه، لما أمر به أصحابه، ولما تمناه لنفسه بقوله: "لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم"، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا القول، والله أعلم، استطابة نفوس أصحابه، وذلك أنه كان يشق عليهم أن يحلوا وهو محرم، ولم يعجبهم ترك الائتساء به، والكون معه في عموم أحواله، فقال هذا القول، لئلا يجدوا في أنفسهم أنه يأمرهم بخلاف ما يفعل، وليعلموا أن الفضل لهم فيما دعاهم إليه، وأمرهم به، وأنه لولا أن سنة من ساق الهدي أن لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، لكان موافقا لهم في الإحلال، وهذا المعنى هو المراد من قوله: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت". [ ص: 76 ]

                                                                            .

                                                                            واختلفوا في أمره لهم بالإحلال، منهم من قال: كان إحرامهم مبهما موقوفا على انتظار القضاء، فأمرهم أن يجعلوه عمرة ، ويحرموا بالحج بعد التحلل، ومنهم من قال: كان إحرامهم بالحج، فأمرهم بفسخه إلى العمرة، وكان ذلك خاصا لهم، روي عن بلال بن الحارث، أنه قال: قلت: يا رسول الله، فسخ الحج لنا خاصة، أو لمن بعدنا؟ قال: "لكم خاصة".

                                                                            وحكي عن أحمد، أنه كان يجوز فسخ الحج لغيرهم من الناس، وضعف حديث الحارث بن بلال ، وقال: ليس الحارث بن بلال بمعروف.

                                                                            وقد روى فسخ الحج جماعة، منهم ابن عباس ، وجابر، وعائشة، وغيرهم.

                                                                            وقد قيل: إن الفسخ إنما وقع إلى العمرة، لأنهم كانوا يحرمون العمرة في أشهر الحج، ولا يستبيحونها، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة، وفسخ الحج صرفا لهم عن سنة الجاهلية.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية