الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1861 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله [ ص: 40 ] النعيمي، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا علي بن مسلم، نا عبد الله بن نمير ، نا عبيد الله، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال: لما فتح هذان المصران أتوا عمر، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرن، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرن، شق علينا، قال: "فانظروا حذوها من طريقكم"، فحد لهم ذات عرق.

                                                                            قال الإمام: هذه المواقيت حد، لئلا يتعداها من أتى عليها مريدا لحج أو عمرة ، إلا محرما، فإن أحرم قبل أن يأتي الميقات، جاز، بخلاف ما لو قدم الصلاة على ميقات الزمان لا يصح.

                                                                            ولو أتى عليها يريد النسك، فلم يحرم حتى جاوز، ثم أحرم، ينعقد إحرامه، ويصح نسكه، وعليه دم شاة، فلو عاد إلى الميقات محرما، يسقط عنه الدم.

                                                                            ولو جاوز الميقات غير مريد للنسك، ثم بدا له أن يحرم، فليحرم من حيث بدا له، ولا دم عليه عند أكثر أهل العلم، وهو ظاهر الحديث.

                                                                            وذهب الأوزاعي ، وأحمد، وإسحاق إلى أن عليه دما إلا أن يرجع إلى الميقات، ولو جاء المدني من ناحية الشام ، فميقاته الجحفة، وكذلك اليماني إذا أتى من ناحية المدينة ، فميقاته [ ص: 41 ] ميقات أهل المدينة ، لقوله: "فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن".

                                                                            ومن كان منزله دون الميقات، فيحرم من منزله، وإذا أراد المكي أن يحرم بالحج، فيحرم في عمرانات مكة ، وكذلك إذا أراد القران، وإذا أراد أن يحرم بالعمرة، فخرج إلى أدنى الحل، فيحرم، وهو ميقاته.

                                                                            قال الشافعي : وأحب أن يعتمر من الجعرانة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر منها، يعني: عام حنين ، فإن أخطأه فمن التنعيم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم .

                                                                            قال الشافعي : فإن أخطأه فمن الحديبية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد المدخل لعمرته منها.

                                                                            قال الإمام: واختلف أهل العلم في كراهية تقديم الإحرام على الميقات، مع اتفاقهم على جوازه، فمنهم من لم يكرهه، بل استحبه، لما روي عن أم سلمة ، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة"، [ ص: 42 ] وقد فعله غير واحد من الصحابة، روي عن ابن عمر ، أنه أهل من بيت المقدس، وسئل علي، عن تمام العمرة، قال: أن تحرم من دويرة أهلك.

                                                                            وكرهه جماعة، منهم: الحسن، وعطاء بن أبي رباح، ومالك ، وروي أن عمر بن الخطاب أنكر على عمران بن الحصين إحرامه من البصرة ، وكره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان، ولأنه لا يأمن من أن يعرض له ما يفسد به إحرامه، أو يحرجه لبعد المسافة.

                                                                            وقال أحمد: وجه العمل المواقيت، وكذلك قال إسحاق. [ ص: 43 ]

                                                                            .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية