الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            1870 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن عبيد بن جريج، أنه قال لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن، رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها، قال: وما هن يا ابن جريج ؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، ورأيتك تلبس النعال السبتية، ورأيتك تصبغ بالصفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال، ولم تهلل أنت حتى يكون يوم التروية، فقال عبد الله بن عمر : "أما الأركان، فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم إلا اليمانيين، وأما النعال السبتية، فإني رأيت [ ص: 57 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال السبتية التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما الإهلال، فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عبد الله بن يوسف ، وأخرجه مسلم، عن يحيى بن يحيى ، كلاهما عن مالك.

                                                                            قوله: "يلبس النعال السبتية"، السبت: جلود البقر المدبوغة بالقرظ، يتخذ منها النعال، سميت سبتية، لأن شعرها قد سبت، أي: حلق وأزيل، وقيل: سميت سبتية، لأنها انسبتت بالدباغ، أي: لانت، يقال: رطب منسبتة، أي: لينة.

                                                                            قال رحمه الله: وروي عن جابر بن عبد الله ، قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الحج، أذن في الناس، فاجتمعوا، فلما أتى البيداء أحرم.

                                                                            وعن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم "صلى الظهر، ثم ركب راحلته، فلما علا على جبل البيداء، أهل". [ ص: 58 ]

                                                                            .

                                                                            وروي عن خصيف بن عبد الرحمن الجزري، عن سعيد بن جبير ، قال: قلت لعبد الله بن عباس: يا أبا العباس، عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوجب، فقال: إني لأعلم الناس بذلك، " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا، فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتيه، أوجبه في مجلسه، فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام، فحفظته، ثم ركب، فلما استقلت به ناقته، أهل، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا، ثم مضى، فلما علا على شرف البيداء، أهل، وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: إنما أهل حين علا من شرف البيداء، وايم الله لقد أوجب في مصلاه، وأهل حين استقلت به ناقته، وأهل حين علا على شرف البيداء "، فمن أخذ بقول ابن عباس ، أهل من مصلاه إذا فرغ من ركعتيه.

                                                                            قال الإمام: والعمل على هذا عند أهل العلم، يستحبون أن يكون إحرامه عقيب الصلوات، ثم منهم من يذهب إلى أنه يحرم في مكانه إذا فرغ من الصلاة، ومنهم من يقول: يحرم إذا ركب، واستوت به ناقته، وإن لم يكن وقت صلاة، صلى ركعتين، ثم أحرم.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية