الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2301 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي، أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة، فقالت: يا رسول الله، إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قياما طويلا، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل عندك من شيء تصدقها إياه؟"، فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا"، فقال: ما أجد، فقال: "فالتمس ولو خاتما من حديد"، فالتمس فلم يجد شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل معك من القرآن شيء؟" قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، لسور سماها، فقال [ ص: 118 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد زوجتكها بما معك من القرآن".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، وأخرجه مسلم، عن زهير بن حرب، عن سفيان بن عيينة، كلاهما عن أبي حازم.

                                                                            وقال زائدة، عن أبي حازم في هذا الحديث: "انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن".

                                                                            وقال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، ويعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، قال: معي سورة كذا وسورة كذا، قال: "أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟"، قال: نعم، قال: "اذهب فقد ملكتها بما معك من القرآن". [ ص: 119 ] .

                                                                            وقال سفيان، عن أبي حازم: "قد أنكحتكها"، وقال أبو غسان، عن أبي حازم: "أمكناكها بما معك من القرآن".

                                                                            وروي نحو هذه القصة عن أبي هريرة وقال: فقال: "ما تحفظ من القرآن؟"، قال: سورة البقرة، أو التي تليها، قال: "قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك".

                                                                            قال الإمام : في هذا دليل على أن أقل الصداق لا تقدير له ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " التمس شيئا" ، وهذا يدل على جواز أي شيء كان من المال ، وإن قل ، ثم قال : " ولو خاتما من حديد" ، ولا قيمة لخاتم الحديد إلا القليل التافه ، وممن ذهب إلى أنه لا تقدير لأقل الصداق ، بل ما جاز أن يكون مبيعا ، أو ثمنا ، جاز أن يكون صداقا ربيعة ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وقال عمر بن الخطاب ، في ثلاث قبضات زبيب مهر ، وقال سعيد بن المسيب : لو أصدقها سوطا ، جاز .

                                                                            وذهب قوم إلى أن أقل الصداق يتقدر بنصاب السرقة ، وهو قول مالك ، وأصحاب الرأي ، غير أن عند مالك نصاب السرقة ثلاثة دراهم ، وعند أصحاب الرأي عشرة دراهم .

                                                                            وكان إبراهيم النخعي يكره أن يتزوج الرجل على أقل من أربعين درهما ، ويقول : مثل مهر البغي .

                                                                            يعني : ما دون ذلك . [ ص: 120 ] .

                                                                            والأول أولى ، لما رويناه من الحديث ، وروي عن أبي الزبير ، عن جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من أعطى في صداق امرأته ملء كفيه سويقا أو تمرا ، فقد استحل" .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية