الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب المطلقة ثلاثا لا تحل إلا بعد إصابة زوج غيره .

                                                                            قال الله تعالى: ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) .

                                                                            2361 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، نا أبو العباس الأصم.

                                                                            ح وأخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، ومحمد بن أحمد العارف، قالا: أنا أبو بكر الحيري، نا أبو العباس الأصم، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أنه سمعها تقول: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني كنت عند رفاعة فطلقني، فبت طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير بن باطا، وإن ما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ [ ص: 233 ] .

                                                                            لا، حتى يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته".

                                                                            وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم، وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له، فنادى: يا أبا بكر، ألا تسمع ما تجهر به هذه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.


                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، وأخرجه مسلم، عن عمرو الناقد، عن سفيان، عن الزهري.

                                                                            والعسيلة : تصغير العسل ، شبه لذة الجماع بالعسل ، وإنما أدخل الهاء في التصغير على نية اللذة ، وقيل : على معنى النطفة ، وقيل : على معنى القطعة ، يريد قطعة من العسل ، كما قالوا : ذو الثدية على معنى قطعة من الثدي ، وقيل : على معنى الوقعة الواحدة التي تحل للزوج الأول .

                                                                            وقيل : العسل يذكر ويؤنث ، فإذا أنث ، قيل في تصغيرها : عسيلة .

                                                                            والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، قالوا : إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا ، فلا تحل له بعد ذلك ، حتى تنكح زوجا آخر ، ويصيبها الزوج الثاني ، فإن فارقها ، أو مات [ ص: 234 ] عنها قبل أن أصابها فلا تحل ، ولا تحل بإصابة شبهة ، ولا زنى ، ولا ملك يمين .

                                                                            ولو طلق امرأته الأمة ثلاثا ، ثم اشتراها ، لا يحل له وطؤها بملك اليمين حتى يصيبها زوج آخر ، روي ذلك عن زيد بن ثابت ، وقاله أهل العلم عامة ، وكان ابن المنذر ، يقول : في الحديث دلالة على أن الزوج الثاني إن واقعها وهي نائمة ، أو مغمى عليها لا تحس باللذة أنها لا تحل للزوج الأول ، لأن الذواق أن تحس باللذة ، قال الإمام : وعامة أهل العلم على أنها تحل .

                                                                            ولو طلق امرأته طلقة أو طلقتين ، فنكحت زوجا آخر ، وأصابها ، ثم فارقها ، وعادت إلى الزوج الأول ، فإنها تعود إليه بما بقي من الطلاق عند أكثر أهل العلم ، وهو قول عمر ، قال : " أيما امرأة طلقها زوجها تطليقة أو تطليقتين ، ثم تركها حتى تحل ، وتزوج زوجا غيره ، فيموت عنها أو يطلقها ، ثم ينكحها زوجها الأول ، تكون عنده على ما بقي من طلاقها" .

                                                                            قال مالك : وتلك السنة عندنا التي لا اختلاف فيها ، وبه قال الشافعي ، وإليه رجع محمد بن الحسن .

                                                                            وقال أبو حنيفة : تعود إليه بثلاث طلقات ، والزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث كما يهدم الثلاث ، وهو قول علي . [ ص: 235 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية