الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2390 - أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أنا عبد الغافر بن محمد، أنا محمد بن عيسى الجلودي، نا إبراهيم بن محمد بن سفيان، نا مسلم بن الحجاج، نا حسن بن الربيع، نا ابن إدريس، عن هشام، عن حفصة، عن أم عطية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط، أو أظفار".

                                                                            هذا حديث صحيح متفق عليه.

                                                                            والعمل عليه عند أهل العلم أن [ ص: 311 ] الحاد يجوز لها لبس البيض من الثياب ، ويجوز لبس الصوف والوبر ، وكل ما نسج على وجه لم يدخل عليه صبغ من خز ، أو غيره ، وكذلك كل ما صبغ لغير الزينة ، مثل السواد ، وما صبغ لقبح على حزن ، أو نفي وسخ ، كالكحلي ، ونحوه .

                                                                            وأما المصبوغ للزينة كالأحمر ، والأصفر ، والأخضر الناضر ، فلا يجوز لبسه ، ولا تلبس الوشي ، والديباج والحلي .

                                                                            وقال سفيان ، وأصحاب الرأي : لا تلبس الثوب المصبوغ ، وقال مالك : لا تلبس المصبوغ إلا بالسواد ، والعصب : نوع من البرود يعصب غزله ، ثم يصبغ ، ثم ينسج ، فلا بأس بلبسه .

                                                                            ولا يجوز لها استعمال الطيب ، فإن طهرت من المحيض ، فرخص لها في استعمال شيء من قسط ، أو أظفار في محل حيضها ، والنبذة : القطعة اليسيرة ، والقسط : عود يحمل من الهند يجعل في الأدوية ، والأظفار : شيء طيب أسود يجعل في الدخنة لا واحد لها .

                                                                            ويروى نبذة من كست أظفار ، وأراد بالكست : القسط ، وتبدل القاف بالكاف ، والطاء بالتاء ، كما يقال : كافور وقافور .

                                                                            وقال سالم بن عبد الله ، وسليمان بن يسار في المتوفى عنها زوجها : إذا خشيت على بصرها من رمد ، أو شكوى ، تداوى بكحل ، وإن كان فيه طيب .

                                                                            وأما المعتدة عن الطلاق هل يجب عليها الإحداد في العدة ؟ نظر إن كانت رجعية لا يجب ، بل لها أن تصنع ما يميل قلب زوجها ليراجعها ، وفي البائنة في الخلع ، والطلقات الثلاث قولان : أحدهما : يجب عليها الإحداد كالمتوفى عنها زوجها ، وهو قول سعيد بن المسيب ، [ ص: 312 ] وبه قال أبو حنيفة .

                                                                            والثاني : لا يجب ، وهو قول عطاء ، وبه قال مالك .

                                                                            فصل .

                                                                            قال الإمام : اعلم أن عدة الوفاة أربعة أشهر وعشر ، سواء كانت المرأة ممن تحيض ، أو لا تحيض ، وسواء مات الزوج بعد الدخول بها أو قبله ، إلا أن تكون حاملا ، فتعتد بوضع الحمل ، وإذا مضت بالحائل أربعة أشهر وعشر ، فقد حلت ، وإن لم تر فيهن عادتها من الحيض ، وقال مالك : إن لم تر فيهن عادتها من الحيض ، فلا تحل حتى ترى عادتها ، ولا فرق في الإحداد بين الحرة ، والأمة ، والصغيرة ، والكبيرة ، والمسلمة ، والذمية .

                                                                            قال الزهري : لا أرى أن تقرب الصبية المتوفى عنها زوجها الطيب ، لأن عليها العدة ، وقال أصحاب الرأي : لا إحداد على الصبية ، والذمية ، أما المبانة في حال الحياة إن لم تكن مدخولا بها ، فلا عدة عليها ، يقول الله سبحانه وتعالى : ( إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) وإن كانت مدخولا بها ، فإن كانت حاملا ، فتكون عدتها بوضع الحمل ، لقول الله تعالى : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) وإن لم تكن حاملا ، فإن كانت ممن لم تحض قط ، أو بلغت سن الآيسات ، فتعتد بثلاثة أشهر لقوله سبحانه وتعالى : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ) .

                                                                            وإن كانت [ ص: 313 ] ممن تحيض فعدتها بثلاثة أقراء ، لقوله سبحانه وتعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) .

                                                                            فإن ارتفعت حيضتها قبل بلوغها سن الآيسات ، فذهب أكثر أهل العلم إلى أنها لا تحل حتى يمضي بها ثلاثة أقراء ، أو تبلغ سن الآيسات ، فتعتد بثلاثة أشهر ، وهو قول عثمان ، وعلي ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن مسعود ، وبه قال عطاء ، وإليه ذهب الشافعي ، وأصحاب الرأي ، ويحكى عن عمر رضي الله عنه أنها تتربص تسعة أشهر ، فإن لم يعاودها الدم تعتد بثلاثة أشهر ، وبه قال مالك ، وتأول الشافعي قول عمر على امرأة بقي لها إلى سن الآيسات تسعة أشهر ، وللشافعي قول في القديم ، أنها تتربص أربع سنين ، وهي أكثر مدة الحمل ، ثم تعتد بثلاثة أشهر ، وترك هذا القول في الجديد ، وقال الزهري في التي ارتفعت حيضتها قبل الكبر .

                                                                            عدتها : سنة .

                                                                            وقال الحسن : تتربص سنة ، فإن حاضت ، وإلا تربصت بعد السنة ثلاثة أشهر .

                                                                            قال الإمام : والمستحاضة تعتد بالأقراء عند عامة أهل العلم ، ثم إن كانت معتادة تراعى عادتها في الحيض والطهر ، فإذا مضت بها ثلاثة أقراء ، حلت ، وإن كانت ناسية ، فتنقضي عدتها بثلاثة أشهر ، وقال سعيد بن المسيب : عدة المستحاضة سنة .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية