الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2429 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي، أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر، كان يقول: "المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء".

                                                                            ويروى عنه أنه قال: هو عبد إن عاش، وإن مات، وإن جنى ما بقي عليه شيء.

                                                                            قال الإمام : ويروى عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم" .

                                                                            وروي عن مجاهد ، أن زيد بن ثابت ، قال : المكاتب هو عبد ما بقي عليه درهم .

                                                                            ومثله عن عائشة ، واستأذن عليها سليمان بن يسار ، فعرفته بالصوت ، فقالت سليمان ، ادخل فإنك مملوك ما بقي عليك شيء . [ ص: 374 ] .

                                                                            قال رحمه الله : الكتابة جائزة باتفاق أهل العلم ، وهو أن يكاتب عبده على مال معلوم ، فإذا أداه ، عتق ، فيصير العبد بالكتابة أحق بمكاسبه ، وإذا أدى ، عتق ، وما فضل من النجوم من ماله يكون له ، ويتبعه أولاده في العتق ، ولا يجوز عند الشافعي على أقل من نجمين ، وجوز أبو حنيفة الكتابة على نجم واحد وحالة ، وإذا عجز المكاتب عن أداء بعض ما عليه عند المحل ، وإن قل ، فللسيد فسخ كتابته ، ورده إلى ما كان عليه من الرق ، وإذا مات قبل أداء النجوم ، اختلف أهل العلم ، فذهب كثير منهم إلى أنه يموت رقيقا ، وترتفع الكتابة ، سواء ترك وفاء ، أو لم يترك ، كما لو تلف المبيع قبل القبض ينفسخ البيع ، وهو قول عمر ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وبه قال عمر بن عبد العزيز ، والزهري ، وقتادة ، وإليه ذهب الشافعي ، وأحمد ، وذهب قوم إلى أنه إن ترك وفاء بما بقي عليه من الكتابة ، كان حرا ، وإن كان فيه فضل ، فالزيادة لأولاده الأحرار ، روي ذلك عن علي ، وابن مسعود ، وهو قول عطاء ، وطاوس ، والنخعي ، والحسن ، وشريح ، وبه قال مالك ، والثوري ، وأصحاب الرأي ، وإذا أدى المكاتب بعض كتابته في حياته ، فلا يعتق شيء منه ما لم يؤد آخر النجوم عند أكثر أهل العلم ، وبه قال الثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                            وقال بعضهم : يعتق بقدر ما يؤدي .

                                                                            يروى ذلك عن علي ، وقاله النخعي ، وقد روى يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ، ورث بحساب ما عتق منه" .

                                                                            قال : وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر ، وما بقي [ ص: 375 ] دية عبد" .

                                                                            وهكذا روى يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                            وروى خالد الحذاء ، عن عكرمة ، عن علي قوله .

                                                                            وعامة أهل العلم على أن المكاتب إذا قتل ، وقد بقي شيء من النجوم يجب على قاتله قيمته كالعبد ، إلا إبراهيم النخعي ، فإنه قال بظاهر هذا الحديث ، والآخرون لعلهم ذهبوا إلى أن الحديث غير ثابت ولو ثبت ، وجب القول به إذا لم يكن منسوخا ، أو معارضا بما هو أولى منه .

                                                                            وروى الزهري عن نبهان ، مكاتب لأم سلمة ، عن أم سلمة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان عند مكاتب إحداكن ما يؤدي فلتحتجب منه" .

                                                                            وهذا عند أهل العلم على التورع ، والاحتياط ، لأنه بعرض أن يعتق في كل ساعة ، بأن يؤدي نجومه ، لا أنه يعتق قبل أداء النجوم ، قال الشافعي : ويجبر السيد على أن يضع من كتابته شيئا ، لقول الله عز وجل : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) واحتج بأن ابن عمر كاتب عبدا له على خمسة وثلاثين ألف درهم ، ثم وضع عنه خمسة آلاف من آخر كتابته ، ولم يوجب قوم ذلك .

                                                                            وإذا كاتب الرجل عبده كتابة فاسدة ، يعتق بأداء المال ، ويتبعه الأولاد والأكساب كما في [ ص: 376 ] الكتابة الصحيحة ، ويفترقان في بعض الأحكام ، وهي أن الكتابة الصحيحة لا يملك المولى فسخها ما لم يعجز المكاتب عن أداء النجوم ، ولا يبطل بموت المولى ، ويعتق بالإبراء عن النجوم ، والكتابة الفاسدة يملك المولى فسخها قبل أداء المال ، وإذا فسخ ، ثم أدى لا يعتق ، ويبطل بموت المولى ، ولا يعتق بالإبراء عن النجوم ، وإذا عتق بالأداء لا يثبت التراجع في الكتابة الصحيحة ، ويثبت في الكتابة الفاسدة ، فيرجع المولى عليه بقيمة رقبته ، وهو يرجع على المولى بما دفع إليه إن كان مالا .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية