الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2355 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، نا عمر بن حفص، نا أبي، نا الأعمش، نا مسلم، عن مسروق، عن عائشة، قالت: "خيرنا النبي صلى الله عليه وسلم، فاخترنا الله ورسوله، فلم يعد ذلك علينا شيئا".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم، عن يحيى بن يحيى، وغيره، عن أبي معاوية، عن الأعمش.

                                                                            قال الإمام : اختلف أهل العلم فيمن خير امرأته ، فاختارت نفسها ، فذهب أكثرهم إلى أنه يقع به طلقة واحدة رجعية ، يروى ذلك عن عمر ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز ، وبه قال ابن أبي ليلى ، وسفيان ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                            وذهب قوم إلى أنه يقع به طلقة بائنة ، يروى ذلك عن علي ، وعن عمر ، وابن مسعود رواية أخرى مثل ذلك ، وبه قال أصحاب الرأي ، وقال بعضهم : يقع به الثلاث .

                                                                            روي ذلك عن زيد بن ثابت ، وبه قال الحسن ، وهو قول مالك ، أما إذا اختارت الزوج ، فلا يقع به شيء عند الأكثرين ، قال مسروق : ما أبالي خيرت امرأتي واحدة ، أو مائة ، أو ألفا بعد أن تختارني .

                                                                            قالت عائشة : " خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه ، أفكان طلاقا ؟" . [ ص: 218 ] .

                                                                            وحكي عن الحسن أنه قال : يقع به طلقة رجعية ، وهو قول مالك ، ويروى ذلك عن علي ، وزيد .

                                                                            وإذا فوض الرجل طلاق امرأته إليها ، فقال لها : طلقي نفسك .

                                                                            أو خيرها ، أو قال لها : أمرك بيدك .

                                                                            وأراد به تفويض الطلاق ، فطلقت نفسها في المجلس يقع ، ولو فارقت مجلسها قبل أن تطلق نفسها ، فذهب أكثر الفقهاء إلى أن الأمر خرج من يدها بمفارقة المجلس كما لو ردته ، فلا يقع إذا طلقت نفسها بعده ، كما لو باع من رجل شيئا ، ففارق المجلس قبل أن يقبل ، وهو قول شريح ، ومسروق ، وعطاء ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، وإليه ذهب مالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

                                                                            وذهب قوم إلى أن خيارها لا يبطل بمفارقة المجلس ، ولها تطليق نفسها بعده ، وهو قول قتادة ، والحسن ، والزهري .

                                                                            واختلف أهل العلم فيما لو قال الزوج لها : أمرك بيدك ، فطلقت نفسها ، ونوت أكثر من واحدة ، فذهب أكثرهم إلى أنه لا يقع إلا واحدة ، وهو قول عمر ، وعبد الله بن مسعود ، وبه قال الثوري ، وأصحاب الرأي .

                                                                            روي أن محمد بن عتيق ، قال : ملكت امرأتي أمرها ، ففارقتني ، فقال زيد بن ثابت : ارتجعها إن شئت ، فإنما هي واحدة ، وأنت أملك بها .

                                                                            وقال ابن عمر : إذا جعل أمرها بيدها ، فطلقت نفسها ثلاثا ، وأنكر الزوج ، وقال : لم أجعل أمرها بيدها إلا في واحدة ، كان القول قوله مع يمينه ، وهو قول الشافعي ، وإسحاق ، وقال عثمان بن عفان : [ ص: 219 ] القضاء ما قضت ، وهو قول مالك ، وأحمد .

                                                                            وروي عن الحسن في أمرك بيدك : أنها ثلاث .

                                                                            وروي عن القاسم بن محمد أن رجلا من ثقيف ملك امرأته أمرها ، فقالت : أنت الطلاق ، قالت ذلك ثلاثا ، فاختصما إلى مروان ، فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة ، وردها إليه ، وكان القاسم يعجبه هذا القضاء .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية