الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب ما يجزئ من الرقاب في الكفارة.

                                                                            2365 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي، أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار، عن عمر بن الحكم، أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن جارية لي كانت ترعى غنما لي، فجئتها، ففقدت شاة من الغنم، فسألتها عنها، فقالت: أكلها الذئب، فأسفت عليها، وكنت من بني آدم، فلطمت وجهها، وعلي رقبة، أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين الله؟" فقالت: في السماء، قال: "من أنا"، قالت: أنت رسول الله.

                                                                            قال: "أعتقها".

                                                                            قال عمر: يا رسول الله، أشياء كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تأتوا الكهان".

                                                                            قال: وكنا نتطير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه، فلا يصدنكم".
                                                                            [ ص: 247 ] .

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن حجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، وقال: عن معاوية بن الحكم، وهو الصواب، وأبو ميمونة اسمه أسامة.

                                                                            وقوله : أسفت عليها .

                                                                            أي : غضبت ، والأسف : الغضب ، قال الله سبحانه وتعالى : ( فلما آسفونا انتقمنا منهم ) ، أي : أغضبونا ، وقال : ( فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ) ، أي : شديد الغضب .

                                                                            قال الإمام رحمه الله : فيه دليل على أن شرط الرقبة في جميع الكفارات أن تكون مؤمنة ، لأن الرجل لما قال : علي رقبة ، أفأعتقها ؟ لم يطلق له النبي صلى الله عليه وسلم الجواب بإعتاقها حتى امتحنها بالإيمان ، ولم يسأل عن جهة وجوبها ، فثبت أن جميع الكفارات فيها سواء ، وهو مذهب أكثر أهل العلم ، وإليه ذهب مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبو عبيد . [ ص: 248 ] .

                                                                            وذهب بعضهم إلى أنه يجوز إعتاق الكافرة في جميع الكفارات إلا في كفارة القتل ، حكي ذلك عن عطاء ، وهو قول الثوري ، وأصحاب الرأي ، واتفقوا على أنه لا يجزئ المرتد ، وقد شرط الله الإيمان في رقبة القتل ، وأطلق ذكر الرقبة في غيره ، فوجب أن يحمل المطلق على المقيد ، كما قيد الشهادة بالعدالة في موضع ، فقال عز وجل : ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) ، وأطلق في موضع ، ثم الكل سواء في كون العدالة شرطا فيه .

                                                                            واختلف قول الشافعي فيمن نذر إعتاق رقبة مطلقا ، فهل يخرج عنه بإعتاق رقبة كافرة أم لا ؟ قال الإمام : أقربها إلى الاحتياط وأشبهها بظاهر الحديث ، أن لا يجوز .

                                                                            ويجوز إعتاق الصغير عن الكفارة إذا كان أحد أبويه مسلما ، أو كان قد سباه مسلم ، لأنه محكوم بإسلامه تبعا للأبوين أو للسابي ، وشرطه أن يكون سليم الرق ، سليم البدن ، عن عيب يضر بالعمل ضررا بينا حتى لا يجوز أن يعتق عن كفارته مكاتبا ، ولا أم ولد ، ولا عبدا اشتراه بشرط العتق ، ولو اشترى قريبه الذي يعتق عليه بنية الكفارة ، عتق عليه ، ولا يحوز عن الكفارة ، وجوز أصحاب الرأي المكاتب إذا لم يكن أدى شيئا من نجوم الكتابة ، وعتق القريب ، وجوزوا المدبر ، وجوز طاوس أم الولد ، ولم يجوزها الأكثرون ، ويجوز الأعور ، والأعرج ، والأبرص ، ومقطوع الأذن ، والأنف ، والخصي ، والمجبوب ، والأخرس الذي يعقل الإشارة ، لأن هذه العيوب لا تخل بالعمل خللا بينا ، ولا يجوز الأعمى ، ولا المجنون ، ولا المريض الذي لا يرجى زوال مرضه ، ولا مقطوع [ ص: 249 ] إحدى اليدين ، أو إحدى الرجلين ، ولا مقطوع إبهام ، أو سبابة ، أو وسطى ، من إحدى اليدين ، ويجوز مقطوع الخنصر ، والبنصر ، فإن كان مقطوعهما لا يجوز ، وجوز أصحاب الرأي مقطوع إحدى اليدين ، أو إحدى الرجلين ، ولم يجوزوا مقطوع الأذنين ، ولا الأصم ، ولا الأخرس ، لفوات جنس من المنفعة على الكمال ، ويجوز إعتاق ولد الزنى عن الكفارة عند الأكثرين .

                                                                            سئل أبو هريرة ، فقال : يجزئه ، وقال الزهري ، والأوزاعي : لا يجوز ، لما روي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " ولد الزنا شر الثلاثة" . [ ص: 250 ] .

                                                                            واختلفوا في تأويل هذا الحديث قيل : إنما قال ذلك في رجل بعينه كان موسوما بالشر ، وروي أن ابن عمر كان إذا قيل له : ولد الزنا شر الثلاثة ، قال : بل هو خير الثلاثة .

                                                                            وقيل معنى قوله : " شر الثلاثة" أصلا ونسبا ، لأنه خلق من ماء خبيث ، ولا يؤمن أن يؤثر ذلك فيه ، ويدب في عروقه ، فيحمله على الشر .

                                                                            وقول ابن عمر هو خير الثلاثة ، فوجهه أنه لا إثم له في الذنب الذي باشره الزانيان ، فهو خير منهما لبراءته من الذنب .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية