الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2427 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ابن بنت منيع، نا علي بن الجعد، أنا زهير، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أعتق رجل من الأنصار عبدا له عن دبر [ ص: 367 ] منه، ولم يكن له مال غيره، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعتقت غلامك عن دبر منك؟" قال: نعم، قال: "من يشتريه، أو من يبتاعه مني؟" فابتاعه النخام بثمان مائة درهم.

                                                                            وقال "أنفق على نفسك، فإن فضل عنك شيء، فعلى أهلك، فإن فضل عن أهلك شيء، فعلى ذي قرابتك، فإن فضل شيء، فهكذا، وهكذا".


                                                                            ولم يحفظ زهير كيف صنع.

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن قتيبة، عن الليث، عن أبي الزبير، وقال: فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي، وقال: فهكذا وهكذا.

                                                                            يقول: فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك.

                                                                            قال الإمام : اختلف أهل العلم في بيع المدبر ، فأجاز جماعة بيعه على الإطلاق ، يروى ذلك عن مجاهد ، وطاوس ، وعمر بن عبد العزيز ، وإليه ذهب الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، روي عن عائشة " أنها باعت مدبرة لها سحرتها ، فأمرت ابن أخيها أن يبيعها من الأعراب ممن يسيء ملكتها" . [ ص: 368 ] .

                                                                            وذهب جماعة إلى أن بيع المدبر لا يجوز إذا كان التدبير مطلقا ، وهو أن يقول : إذا مت ، فأنت حر من غير أن يقيد بشرط أو زمان ، وهو قول سعيد بن المسيب ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، وإليه ذهب سفيان الثوري ، والأوزاعي ، وأصحاب الرأي ، وقاسوا المدبر على أم الولد ، لتعلق عتق كل واحد منهما بموت المولى على الإطلاق .

                                                                            وتأول بعضهم الحديث على التدبير المقيد ، وهو أن يقول : إن مت من مرضي هذا ، أو في شهر كذا ، فأنت حر .

                                                                            والأول أولى ، لأن الحديث جاء في بيع المدبر ، واسم التدبير إذا أطلق يفهم منه التدبير المطلق لا غيره ، وليس كأم الولد ، لأن سبب العتق في أم الولد أشد تأكيدا منه في المدبر ، بدليل أن استغراق تركة الميت بالدين لا يمنع عتق أم الولد ، ويمنع عتق المدبر ، وعتق أم الولد يكون من رأس المال ، وعتق المدبر يكون من الثلث ، فظهر الفرق بينهما ، وقال ابن سيرين : لا يباع المدبر إلا من نفسه .

                                                                            وقال الليث بن سعد : يكره بيعه إلا أن يبيعه ممن يعتقه ، وأجاز مالك بيعه إذا كان على الميت دين يحيط بتركته ، فأما في الحياة ، فلا يجوز بيعه بحال .

                                                                            ويروى هذا عن عمر بن عبد العزيز ، وقضى في المدبر إذا جنى أنه يسلم إلى المجني عليه ، يخدمه من دية جرحه ، فإن أدى ، رجع إلى سيده ، وعند من أجاز بيعه يباع في الجناية ، وأجاز الحسن بيع المدبر إذا احتاج إليه صاحبه ، واتفقوا على جواز وطء المدبرة كما يجوز وطء أم الولد ، روى نافع أن ابن عمر دبر جاريتين له ، فكان يطأهما .

                                                                            واختلف قول الشافعي في جواز الرجوع عن التدبير بالقول ، فأجاز الرجوع في قول كما جاز بيعه ، [ ص: 369 ] وهو قول مجاهد ، وطاوس ، واختاره المزني ، لأن التدبير بمنزلة الوصية بدليل اعتباره من الثلث ، ومن أوصى لإنسان بشيء ، جاز له الرجوع فيه ، والقول الثاني : لا يجوز له إبطاله بالقول ، ويجوز بيعه قبل وجود الصفة المعلق بها العتق ، والله أعلم ، وعتق المدبر يكون من الثلث عند عامة أهل العلم ، حكي عن إبراهيم ، وسعيد بن جبير ، ومسروق أن المدبر يعتق من جميع المال .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية