الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2251 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي، أنا أبو الحسن الطيسفوني، أنا عبد الله بن عمر الجوهري، نا أحمد بن علي الكشميهني، نا علي بن حجر، نا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبي كثير، عن محمد بن جحش، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان، قال: "يا معمر، غط فخذيك، فإن الفخذين عورة". [ ص: 22 ] .

                                                                            ومحمد بن جحش هو محمد بن عبد الله بن جحش، نسب إلى جده، ولعبد الله بن جحش، ولابنه محمد صحبة.

                                                                            ويروى عن ابن عباس ، وجرهد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " الفخذ عورة" .

                                                                            قال محمد بن إسماعيل : حديث أنس أسند ، وحديث جرهد ، أحوط حتى يخرج من اختلافهم .

                                                                            ولا يجوز مضاجعة الرجل الرجل ، ولا مضاجعة المرأة المرأة ، وإن كان من محارمه ، ويفرق بين الصبيان في المضجع بعد ما بلغوا عشر سنين ، لأنها سن يحتمل فيها البلوغ ، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " مروا صبيانكم بالصلاة في سبع سنين ، واضربوهم عليها في عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع" .

                                                                            وروي عن أبي ريحانة ، قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكامعة الرجل [ ص: 23 ] الرجل بغير شعار ، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار" ، والمراد بالمكامعة المضاجعة ، يقال لزوج المرأة : هو كميعها ، أي : ضجيعها ، وروي في الحديث أنه " نهى عن المكاعمة وهو تقبيل فم الغير" ، أخذ من كعام البعير ، وهو أن يشد فمه إذا هاج حتى لا يعض ، يقال كعمته : أكعمه ، فهو مكعوم .

                                                                            وأما المرأة مع الرجل ، فإن كانت أجنبية حرة ، فجميع بدنها عورة في حق الرجل ، لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه والكفين إلى الكوعين ، لقوله عز وجل : ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) قيل في التفسير : هو الوجه والكفان ، وعليه غض البصر عن النظر إلى وجهها ويديها أيضا عند خوف الفتنة ، لقوله سبحانه وتعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) .

                                                                            قال قتادة : عما لا يحل لهم ، وقال : خائنة الأعين : النظر إلى ما نهي عنه .

                                                                            قال الإمام : وإذا اتفقت نظرة ، فلا يعيدها قصدا ، لما روي عن جرير بن عبد الله ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة ، قال : " اصرف بصرك" .

                                                                            وروي عن بريدة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : " يا علي لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى ، وليست لك الآخرة" . [ ص: 24 ] .

                                                                            قال الإمام : والحديث الأول يدل على أن النظرة الأولى إنما تكون له لا عليه إذا كانت فجاءة من غير قصد ، فأما القصد إلى النظر فلا يجوز لغير غرض ، وهو أن يريد نكاح امرأة ، أو شراء جارية ، أو تحمل شهادة عليها ، فيتأملها .

                                                                            وإذا كان بعورة المرأة داء ، فلا بأس للطبيب الأمين أن ينظر إليها كما ينظر الختان إلى الفرج عند الختان .

                                                                            قال الحسن ، والشعبي ، في المرأة بها الجرح ونحوه : يخرق الثوب على الجرح ، ثم ينظر إليه ، يعني : الطبيب .

                                                                            والمرأة في النظر إلى الرجل الأجنبي ، كهو معها ، لما روي عن أم سلمة ، أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة إذ أقبل ابن أم مكتوم ، فدخل عليه ، وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتجبا منه" فقلت : يا رسول الله ، أليس هو أعمى لا يبصرنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه ؟" .

                                                                            والأمة عورتها مثل عورة الرجل ما بين السرة والركبة ، وكذلك المحارم بعضهم مع بعض ، ويغض البصر إلا لغرض ، كره عطاء النظر إلى الجواري يبعن إلا أن يريد أن يشتري . [ ص: 25 ] .

                                                                            ويجوز للزوج أن ينظر إلى جميع بدن امرأته ، وأمته التي تحل له ، وكذلك هي منه إلا نفس الفرج ، فإن النظر إليه مكروه ، وكذلك فرج نفسه ، فإذا زوج أمته ، حرم النظر إلى عورتها ، روي عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره ، فلا ينظر إلى ما دون السرة ، وفوق الركبة" ، ويروى : " فلا ينظر إلى عورتها" .

                                                                            ويكره للرجل كشف عورته لغير حاجة ، وإن كان خاليا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أحق أن يستحيا منه" .

                                                                            ويروى عن ابن عمر بإسناد غريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إياكم والتعري ، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط ، وحين يفضي الرجل إلى أهله ، فاستحيوهم وأكرموهم" .

                                                                            قال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من النساء : لا يصلح النظر إلى شيء منهن ، وإن كانت صغيرة ، وروي عن عبد الله بن مسعود في قوله عز وجل : ( فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ) ، قال : هو الجلباب . [ ص: 26 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية